في خطوة تعكس عمق الاهتمام بالتاريخ والهوية الوطنية، وضمن مجموعة من المبادرات والمشاريع التي يقودها سموه، أطلق سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، مبادرة «إرث دبي»، التي تهدف إلى توثيق تاريخ الإمارة بمشاركة مجتمعية واسعة، عبر جمع وحفظ القصص والتجارب الحياتية التي شكلت ملامح تطور دبي وحياة أهلها.
هذه المبادرة تمثل حلقة جديدة في سلسلة الجهود الرامية إلى صون التراث ونقله للأجيال القادمة، وهي رؤية تتناغم تماماً مع ما تطرقنا إليه في مقال «كنوز في المتاحف الشخصية».
قبل أيام، ناقشنا أهمية المتاحف الشخصية التي أنشأها الأفراد بدافع الشغف للحفاظ على التراث، وتساءلنا عن كيفية تحويل هذه الجهود الفردية إلى جزء من المشهد الثقافي والسياحي للدولة. واليوم، تأتي مبادرة «إرث دبي» لتمنح هذا التساؤل بعداً عملياً جديداً، حيث تفتح المجال أمام الأفراد ليكونوا جزءاً من مشروع وطني لحفظ الذاكرة الجماعية للإمارة. فكما تحتفظ المتاحف الشخصية بالمقتنيات النادرة التي تروي جانباً من تاريخنا، تأتي هذه المبادرة لتوثّق قصص الناس وتجاربهم، بما يجعل التاريخ أكثر حيوية وإنسانية.
إن الربط بين المتاحف الشخصية ومبادرة «إرث دبي» يمكن أن يكون نقطة انطلاق لمشاريع مشتركة، فمن خلال هذه المبادرة، يمكن لأصحاب المتاحف الشخصية المساهمة بمقتنياتهم وقصصهم في إثراء الأرشيف الرقمي للإمارة، كما يمكن استثمار هذه المتاحف كمراكز مجتمعية تدعم عملية التوثيق، حيث تُتاح للزوار فرصة الاطلاع على القطع التراثية وسماع الروايات المرتبطة بها.
إن دعوة سمو الشيخ حمدان بن محمد للجميع للمشاركة في هذا الحراك المجتمعي تمثل فرصة ذهبية لأصحاب المتاحف الشخصية والمؤرخين والمختصين في التراث، ليكونوا جزءاً من عملية توثيق متكاملة تجمع بين الماضي والحاضر في سجل رقمي يحفظ هوية دبي للأجيال القادمة؛ فالتاريخ ليس مجرد مقتنيات معروضة، بل هو حكايات وقصص وصور وأصوات تنبض بالحياة، وهذه المبادرة تتيح فرصة توحيد هذه العناصر ضمن إطار شامل يعزز من قيمة التراث الإماراتي.
إن «إرث دبي» ليست مجرد مبادرة لتوثيق الذكريات، بل هي تأكيد على أن المستقبل لا يُبنى دون جذور راسخة ومتينة ومرتبطة بالماضي. واليوم، ونحن نرى هذه الرؤية تتحقق، يصبح لزاماً على الجميع —أفراداً ومؤسسات— المساهمة في هذا الجهد الوطني، سواء من خلال مشاركة القصص، أو دعم المتاحف الشخصية، أو دمج هذه الجهود في المشاريع الثقافية والسياحية الكبرى.
ومن اللافت حقاً في مبادرة سمو ولي عهد دبي، أنه أكد على أهمية مشاركة الأفراد والعائلات على حدٍ سواء في المساهمة بإثراء «إرث دبي». وهذا يؤكد أهمية توثيق الإرث الشفاهي المتجذر في مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يتنوع هذا الإرث من خلال القصص الملهمة والذكريات المرتبطة بالبيئة المحلية وجلد وصبر الأجداد والآباء على ما كانوا يواجهون من تحديات ومصاعب في الماضي.
ما بدأناه في الحديث عن «كنوز المتاحف الشخصية» يكتمل اليوم ويمكن أن يتحقق من خلال مبادرة «إرث دبي»، التي تمنح هذه الكنوز بعداً أوسع، وتجعل من كل قصة ومقتنى وإرث فردي جزءاً من حكاية دبي الكبرى.