لكل أغنية حكاية سواء لجهة اختيار الكلمات أو البحث عن ملحن أو لجهة التسجيل أو لجهة التنازع على ملكيتها بين طرفين أو أكثر. من هذه الحكايات ما رواه الناقد الفني السعودي «علي فقندش» في كتابه الممتع «الأغاني.. قصص وحكاوي» عن تسجيل أغنية «يا صاح» من كلمات الأمير الشاعر خالد الفيصل بن عبدالعزيز، وألحان وغناء محمد عبده.
يعد الفنان السعودي الكبير محمد عبده، المولود في 12 يونيو 1949 بمحافظة الدرب بمنطقة جازان، أحد الفنانين الكبار إلى جانب زملائه طارق عبدالحكيم وفوزي محسون وطلال مداح الذين اهتموا طويلاً بالتنقيب عن الموروث وتقديمه بشكل حديث وجذاب. ومما يحسب لمحمد عبده في هذا الإطار الاستعانة بقصيدة «يا صاح» النبطية التي يقول مطلعها:
يا صاح أنا.. قلبي من الحب مجروح
جرح عطيب.. ما لقى له مداوي
لو ينشرى قربه شريناه بالــــــروح
مير (البلا) شوفه غدا بههقاوي
وتلحينها وفق فن المجرور الحجازي بشكل مرتب وحديث ومرتبط بالجذور والتراث لأول مرة في تاريخه ومسيرته الفنية، علماً بأنه قدم بعد ذلك العديد من أغاني المجرور مثل: «دستور يا الساحل الغربي» من ألحانه وكلمات الأمير خالد الفيصل، و«الود طبعي» من كلمات إبراهيم خفاجي، و«يا زهور العشب» من ألحانه وكلمات «المشتاق»، و«أقلقني الطار» من ألحان محمد بصفر.
التسجيل الأول والأساسي لأغنية «يا صاح» كان في شرفة شقة محمد عبده الأولى التي كانت في بناية سفر بشارع الميناء في حي الهنداوية الشعبي، وذلك في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين. حيث تمّ التسجيل بواسطة فرقة موسيقية متواضعة بقيادة الملحن سامي إحسان، ومن خلال جهاز تسجيل قديم من نوع شارب دي 400. حدث ذلك على الرغم من المؤثرات الصوتية الخارجية التي أثرت في جودة ونقاء التسجيل.
لاحقاً، وقبل ظهور استوديوهات التسجيل الحديثة المتخصصة في المملكة العربية السعودية، كان عبده يسجل أغانيه في صالون الاستقبال في مسكنه الجديد في حي النزلة بجدة، وفي هذا الصالون سجل بعضاً من أشهر أعماله مثل: أغنية «التمني» من ألحانه وكلمات «المشتاق»، وأغنيتي «أيوه قلبي عليك إلتاع» و«أواه يا قلب عليل»، وكلتاهما من ألحانه وكلمات الأمير خالد الفيصل.
أشار الناقد فقندش، كدليل على عدم الجاهزية والاستعداد وعدم وجود استوديوهات التسجيل المناسبة زمن تسجيل «يا صاح»، إلى أن أربعة ميكروفونات ساهمت في عملية التسجيل، وقد تمّ تعليقها على حبل غسيل مشدود، واحد متدلٍّ أمام محمد عبده وآخر أمام عازف القانون وثالث أمام عازفي الكمان ورابع أمام عازف الإيقاع والكورال و«الطقاقات».
اشتهرت الأغنية كثيراً، بعد أن أعيد تسجيلها في ستوديوهات الكويت الموسيقية، ثم تعززت جماهيريتها بعد أن أداها محمد عبده في حفل اختتام دورة الخليج الثالثة لكرة القدم المقامة بدولة الكويت في 15 مارس 1974، وخصوصاً بعد أن تمّ بثها مصورة باللونين الأبيض والأسود من تلفزيون الكويت.
كما أن الأغنية ذاع صيتها في الأوساط الكروية عموماً، وأوساط كرة القدم السعودية خصوصاً بسبب اعتلاء كابتن المنتخب السعودي وقتذاك اللاعب «سعيد غراب» حلبة الغناء، أثناء تأدية محمد عبده للأغنية.
