تقف دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم على أعتاب مرحلة تاريخية جديدة، تتسم بالطموحات الكبيرة والرؤى الاستشرافية التي ترسم ملامح المستقبل الواعد.

وفي قلب هذه التطلعات، تبرز إمارة دبي كنموذج حضاري متقدم، تقود مسيرة التنمية الاقتصادية المستدامة نحو تحقيق أجندة دبي الاقتصادية «D33» التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في الرابع من يناير 2023.

وهنا تتجلى حكمة صاحب السمو في قوله: «قوة الدول بقوة مواردها البشرية، وكوادرنا الوطنية مع المواهب الخارجية الموجودة لدينا يمثلون أعلى الأصول البشرية»، كما يؤكد سموه: «التوطين أولوية اقتصادية واجتماعية وأمنية، وهذه حقيقة لا بد أن يستوعبها الجميع».

إن تمكين الكفاءات الوطنية وإشراكها الفعال في القطاع الخاص يمثل ركيزة أساسية في بناء اقتصاد متنوع ومرن قادر على مواجهة تحديات المستقبل واستثمار الفرص الواعدة، مما يسهم في تحقيق مستهدفات مئوية الإمارات 2071.

أهمية انخراط المواطن الإماراتي

في القطاع الخاص

المواطن الإماراتي محرك للابتكار والنمو

يشهد الاقتصاد الإماراتي تحولات استراتيجية تعكس رؤية القيادة الرشيدة في إرساء نموذج مبتكر يدفع مسيرة التنمية المستدامة. لقد تجاوز مفهوم التوطين النمط التقليدي ليصبح أداة استراتيجية لبناء منظومة إنتاجية يقودها أبناء الدولة، مما يعزز قدرة الإمارة على المنافسة العالمية.

تشير أجندة دبي الاقتصادية «D33» إلى أهمية تطوير رأس المال البشري الوطني ليكون قاطرة للابتكار والنمو، خاصة في القطاعات الحيوية مثل التكنولوجيا المتقدمة والخدمات اللوجستية والمالية والرعاية الصحية.

تعزيز التنوع الاقتصادي والحد من الاعتماد على القطاع الحكومي

يشكل انخراط المواطنين في القطاع الخاص عنصراً جوهرياً في استراتيجية التنويع الاقتصادي. هذا التوجه يسهم في تخفيف الأعباء المالية على الموازنة العامة، ويحرر الموارد الحكومية لتوجيهها نحو الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع التنموية الاستراتيجية، مما يعزز الاستدامة المالية للدولة على المدى الطويل.

القطاع الخاص: منصة تمكين استراتيجية

أصبح القطاع الخاص في دبي منصة استراتيجية تتيح تقدّم الكفاءات الإماراتية، وتعزز وصولها إلى مواقع التأثير والقيادة، يوفر هذا القطاع بيئة خصبة لنقل المعرفة والخبرات العالمية إلى الكفاءات الوطنية، مما يسهم في بناء قاعدة معرفية وطنية قوية قادرة على قيادة التطوير والابتكار.

بناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار

في عصر الاقتصاد الرقمي، يأتي دور القطاع الخاص كحاضنة طبيعية للابتكار وريادة الأعمال. إن انخراط المواطنين الإماراتيين في هذا القطاع يمكنهم من المساهمة الفعالة في التحول نحو اقتصاد المعرفة، والعمل في مجالات متقدمة مثل التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.

سياسات وبرامج تمكين الكفاءات الوطنية

برنامج نافس الاتحادي: نموذج رائد في التوطين

يمثل برنامج «نافس» إحدى أبرز المبادرات الاستراتيجية لتعزيز تنافسية الكوادر الوطنية. خصصت الحكومة 24 مليار درهم لدعم البرنامج، بهدف استيعاب 75 ألف مواطن حتى 2025. النتائج المحققة تؤكد نجاح البرنامج، حيث انضم أكثر من 80 ألف مواطن إلى القطاع الخاص منذ إطلاقه في سبتمبر 2021.

مبادرات مجلس تنمية الموارد البشرية الإماراتية في دبي

يلعب المجلس دوراً محورياً في تنفيذ استراتيجية التوطين، من خلال برامج «أيام التوظيف» المفتوحة وبرامج التدريب والتأهيل المتخصصة، كما يركز على برامج التوجيه المهني للطلاب وبناء الشراكات الاستراتيجية مع القطاع الخاص، تمثل مبادرة «5000 موهبة رقمية» إحدى أبرز المبادرات الاستراتيجية التي أطلقها مكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد.

بالشراكة مع مجلس تنمية الموارد البشرية الإماراتية وبالتعاون مع كبرى الشركات التكنولوجية العالمية وهي لينكدإن، ساس وأمازون، والمؤسسات الأكاديمية وهي كليات التقنية العليا في دبي وجامعة دبي وجامعة زايد والجامعة الأمريكية في دبي، وتهدف هذه المبادرة الطموحة إلى تمكين 5 آلاف طالب إماراتي بالمهارات الرقمية المتقدمة على مدى خمس سنوات، وتعزيز دورهم في الاقتصاد الرقمي.

توفر المبادرة أربعة مسارات تدريبية متخصصة - الشامل، والأكاديمية، والرواد، والقادة - مصممة لتلبية احتياجات الموظفين من مختلف المستويات والاختصاصات. تواكب هذه المبادرة رؤى دبي وتوجهاتها المرتكزة على تأهيل الكفاءات المواطنة بالمهارات اللازمة لتعزيز الاقتصاد الرقمي، وترسيخ مكانة الإمارة كوجهة عالمية للمواهب والابتكار في مجال التكنولوجيا المتقدمة.

من التوظيف إلى القيادة: أدوات مبتكرة لتمكين المواطنين

تتطلب استراتيجيات التوطين الحديثة أدوات مبتكرة تتجاوز التوظيف التقليدي، تشمل الاستثمار في المهارات القيادية، والتدريب على الوظائف المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي والتحول الأخضر، وبناء مسارات مهنية واضحة داخل الشركات.

الشراكات الاستراتيجية ودور القطاع الخاص

تعمل الحكومة على بناء شراكات استراتيجية مع الشركات الرائدة تتجاوز توفير فرص العمل لتشمل التعاون في تصميم برامج التدريب والتطوير المهني. وقّع المجلس عدة مذكرات تفاهم مع جهات مختلفة لتوطيد التعاون وتحقيق الأهداف المشتركة.

الحوافز والتشريعات الداعمة

تم وضع مجموعة شاملة من الحوافز المالية والتسهيلات الإدارية لدعم الشركات في توظيف الكفاءات الوطنية، مع وضع مستهدفات واضحة للتوطين، وتوفير المرونة اللازمة للشركات لتحقيق هذه المستهدفات.

النتائج والتأثيرات الإيجابية

الإحصائيات والأرقام: شاهد على النجاح

تشهد الأرقام الرسمية على النجاح الباهر لاستراتيجية التوطين. بحلول نهاية 2024، وصل عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص إلى 131.800 مواطن على مستوى الدولة، بزيادة قدرها أكثر من 39 ألف مواطن خلال عام 2024 وحده.

كما ارتفع عدد الشركات التي تضم مواطنين ضمن كوادرها إلى 28 ألف شركة بنسبة نمو تصل إلى 192.5% منذ إطلاق برنامج «نافس». وتشير هذه الأرقام إلى التزام القطاع الخاص المتزايد بجهود التوطين ونجاح السياسات الحكومية في تحفيز الشركات على توظيف الكفاءات الوطنية.

التوطين كاستثمار طويل الأجل في التنافسية

يتم التعامل مع الموارد البشرية المواطنة كأصل استثماري طويل الأمد يرتبط بتنافسية الشركات. وجود الكفاءات الوطنية في المناصب القيادية يُثري عملية اتخاذ القرار نظراً لفهمها العميق للسياق المحلي وتكاملها مع التوجهات العالمية.

قصص النجاح: نماذج ملهمة من الكفاءات الوطنية

تكمن خلف الأرقام قصص نجاح حقيقية لمواطنين تمكنوا من تحقيق التميز في قطاعات التكنولوجيا المالية والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية، حيث وصلوا إلى مناصب قيادية في شركات رائدة محلياً وإقليمياً وعالمياً.

الشركات الرائدة في التوطين: شراكة حقيقية للنجاح

تبنت الشركات الرائدة نهجاً استراتيجياً شاملاً لتطوير الكفاءات الوطنية، من خلال برامج تدريبية متقدمة ومسارات مهنية واضحة تمكن المواطنين من الوصول إلى مواقع قيادية مهمة.

التأثير على الاقتصاد الوطني: نمو مستدام وتنافسية عالمية

يسهم التوطين في تعزيز النمو المستدام والقدرة التنافسية، حيث تعزز مشاركة المواطنين من الإنتاجية والكفاءة والاستقرار الاقتصادي، كما تحفز الاستهلاك المحلي وتبني قاعدة معرفية وطنية قوية.

نحو رؤية شاملة للتمكين

استمرارية الجهود وتحقيق المستهدفات

تحول التوطين في دبي إلى مشروع استراتيجي يهدف إلى تفعيل دور المواطن كقائد للتغيير ومهندس للمستقبل الاقتصادي. نؤكد التزامنا بمواصلة تطوير استراتيجيات مبتكرة تواكب التطورات العالمية وتلبي احتياجات السوق المتغيرة.

دعوة القطاع الخاص: شراكة استراتيجية للمستقبل

إن تمكين الكفاءات الوطنية ضرورة استراتيجية لضمان استدامة الاقتصاد، وتعزيز مكانة دبي كوجهة عالمية للاستثمار والابتكار. ندعو جميع الشركات لزيادة استثمارها في الكفاءات الوطنية والمساهمة الفعالة في جهود التوطين.

الرؤية المستقبلية: دبي نموذج عالمي في التوطين

نتطلع لجعل دبي نموذجاً عالمياً في تمكين الكفاءات الوطنية، حيث تصبح الكفاءات الإماراتية قادة ورواداً في مختلف القطاعات على المستوى العالمي، مع تطوير نظم متقدمة لقياس الأداء واستخدام التكنولوجيا لتحسين فاعلية البرامج.

عهد جديد من التميّز والإنجاز

إن ما حققناه يمثل نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر إشراقاً. وكما يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فإن «قوة الدول بقوة مواردها البشرية»، وإن كوادرنا الوطنية تمثل أعلى الأصول البشرية، إننا واثقون من قدرة الكفاءات الوطنية على تحقيق المعجزات والوصول إلى أعلى المراتب في جميع المجالات.