نصف عام انقضى من ربع قرن مضى والعالم على مشارف قضايا عالقة وقضايا ناشئة. الشهور الأولى من هذا العام لا تبشر بخير. ما زالت حرب غزة تدور رحاها بلا هوادة. وما زالت الآلة العسكرية الإسرائيلية تثخن قتلاً، والعالم يتفرج، ومدنيو غزة لا يرون فرجاً من هذا الكرب العظيم.

وكأنما العالم في حاجة إلى حرب أخرى قامت إسرائيل بهجوم مباغت على إيران لضرب برنامجها النووي، وعندما لم ترَ طائلاً من مهاجمة مفاعل فوردو الأكثر تحصيناً، أوعزت لواشنطن باستخدام قنابلها الثقيلة للفتك بالمفاعل المخفي.

وحسب مصادر صحفية فإن بنيامين نتنياهو حصل على ضوء أخضر من ترامب، لمعاودة الكرة إذا ما حاولت إيران إعادة برنامجها النووي. هذه الحروب استمرار لماضٍ بعيد، بيد أن قضايا عديدة تستجد أمام ناظرينا، أولها تحول النظام الدولي من نظام أحادي القطب تحت سيطرة الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب، أو نظام ثنائي القطب مع صعود الصين قوة منافسة للولايات المتحدة.

شهد النظام العالمي تحولات مماثلة في القرون الماضية، ولكن لم يكن التحول في بنية النظام الدولي سلمياً، لم تصعد قوة إلا بالحرب، ولم تسقط قوة في العالم إلا بحرب، الجميع يترقب تبعات صعود الصين إلى المركز الأول، حتى إن أهم المتخصصين في العلاقات الدولية البروفيسور، غراهام تي أليسون، سطر كتاباً بعنوان «حتمية الحرب»، في إشارة إلى الصين والولايات المتحدة.

هناك أيضاً قضية تتعلق بالتكنولوجيا. التنافس التكنولوجي بدأ يزحف على التنافس الجيوسياسي والجيواقتصادي، كان التنافس بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة تنافساً جيوسياسي على مناطق النفوذ.

كانت واشنطن تهاب إبّان الحرب الباردة من سيطرة موسكو على آسيا، والذي يشكل موقعاً استراتيجياً ومصدراً مهماً للمواد الأولية، وتخشى سيطرة الاتحاد السوفييتي على أوروبا الغربية بما يتحقق له التفوق العلمي.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية وبداية العولمة أصبح الجيواقتصادي يتقدم على كل الاعتبارات القديمة سوى كانت جيوسياسية أو أيديولوجية، وأصبح العصر الذهبي للرأسمالية والحريات السياسية يلوح في الأفق.

ما زالت هذه الصراعات تدور وتحرك السياسة الدولية، ولكن استجد فاعل آخر ممكن أن نُطلق عليه الجيوتكنولوجي، الصراع أصبح من يستطع السيطرة على التكنولوجيات الناشئة مثل الذكاء الصناعي وتدور رحى التنافس على أشباه الموصلات والمعرفة، ولكن المعركة الجيوسياسية تدور على السيطرة على المناطق الغنية بالمعادن النادرة، والتي تشكل المادة الرئيسة لتصنيع هذه التكنولوجيا.

هناك تحدٍ يواجه النظام العالمي، ويتمثل في بروز حركات قومية وشعبوية كونها ردة فعل للعولمة، والتي أطاحت بكثير من الجدران العازلة للأمم والدول..

ردة الفعل من الشعوب في مركز النظام العالمي أصبحت قوية، بسبب خسرانها المنافسة خاصة مع الدول ذات الثقل السكاني والعمالة الرخيصة، إضافة إلى الهجرة الكبيرة من المستعمرات السابقة وكأنها هجمة مرتدة أغرقت سوق العمل في الدول الاستعمارية السابقة مثل فرنسا وبريطانيا.

أصبح الثقافي والقومي متداخلاً مع الاقتصادي، واستغلت الأحزاب القومية والشعبوية الفرصة لتحشد القوى الشعبية المتذمرة من العولمة، وما تراه غزواً ثقافياً خارجياً يغير في طبيعة المجتمعات الغربية.

ولعل انتخاب ترامب لمرتين دليل على هذا التوجه، فقد أقام ترامب حملته الانتخابية على قضايا الهجرة والتحول الثقافي والاقتصاد المعولم، الذي أدى إلى فقدان الولايات المتحدة الكثير من الوظائف، خاصة الصناعية.

هناك أيضاً قضية التغير المناخي، لا مشاحة في أن كوكب الأرض معرض لكوارث، بسبب التغير المناخي، والذي هو من فعل الإنسان. الإشكال ليس في الإقرار بهذه الحقيقة، بل في المسؤول على هذا الوضع الكارثي.

الدول النامية تلقي باللائمة على نظيراتها الصناعية، والتي تسببت بالتلوث المهول منذ الثورة الصناعية قبل ما يزيد على قرنين. الدول نامية وحديثة التطور ترى أن الدول التي تطورت، وحققت تنمية مستدامة، عليها أن تتحمل مسؤولية التلوث البيئي، وتمنح الدول النامية الفرصة للحاق بها.

السؤال هل ستستخدم الدول المتقدمة قضية المناخ سوطاً لجلد الدول، التي تتخلف عن المعيار، الذي تضعه المنظومة الدولية بقيادة الدول العظمى؟ كلمة حق يراد بها باطل!