مع تمايز الثقافة والسياسة، ما العامل المشترك الذي يمكن أن يجمع كلاً من روسيا والبرتغال والمكسيك وكندا؟ ليس ثمَّة دولة بينها تفرض ضرائب على الميراث.

ويبدو أن المملكة المتحدة هي أيضاً تدرس الانضمام إلى هذه القائمة لحسابات تجاوز الصعوبات الانتخابية.

المفارقة، أنه عند توجيه الأنظار إلى البلدان التي لا تجمع فلساً واحداً عن طريق الموت، أو تلك التي تفعل؛ فإن كل واحدة منها تتمايز عن الأخرى تماماً.

وقد نجد أن الدول التي تميل إلى فرض ضرائب مرتفعة، وذلك عند قياس العوائد الضريبية مقارنة مع الناتج، لا تفرض ضريبة على الميراث. كالسويد ونيوزيلندا، والنرويج قامت بإلغائها في عام 2014. وهناك أيضاً أستراليا، عندما كنت لا أزال يافعاً وأرتدي السراويل القصيرة.

على الجانب الآخر، ثمَّة دول كالولايات المتحدة وأيرلندا المعروفة بأنظمتها الضريبية التنافسية، تفرض ضرائب تعد ضمن الأعلى على الميراث والعقارات.

في الوقت نفسه، فإن الهند ـ الديمقراطية الأكبر في العالم ـ تفرض ضريبة صفرية على الميراث، وكذا الصين، الجمهورية الاشتراكية ذات الحزب الواحد الأكبر في العالم، وعندما تضاف إليهما روسيا؛ تشكل هذه الدول معاً أكثر من ثلث سكان العالم، حتى وإن كان التمايز بينها كبير.

الضريبة على المواريث إذن ليس لها صلة بالسياسة، لكنها كانت لها صلة في الماضي، حيث كان كارل ماركس يرى بضرورة فرض ضريبة بنسبة مئة بالمئة على المواريث.

ولكن لماذا لا يزال الأمر يثير مشاعر وردود أفعال قوية؟ على سبيل المثال، أظهر استطلاع رأي أجرته شركة إبسوس مؤخراً في بريطانيا، أن ضرائب الميراث تعتبر الأكثر ظلماً بين جميع الضرائب، خاصة أن أقل من أربعة في المئة فقط من إجمالي الوفيات في المملكة المتحدة تخضع للضريبة على الميراث.

كذلك، لا تعود ضرائب الميراث والعقارات (الأولى يدفعها المستفيد، والثانية يدفعها المتوفى) بأي شيء تقريباً للحكومات، كونها ضريبة تصاعدية بدرجة كبيرة إلى جانب أنها مليئة بالاستثناءات، كما أن الأثرياء ينجحون في تجنبها في الغالب.

إن الضريبة المفروضة على الميراث تشكل ما نسبته أقل من 1 في المئة من عائدات الضرائب في المملكة المتحدة؛ مما يعني أن خمس سنوات من جباية الضرائب على المواريث لن تفي حتى بالمدفوعات التي ذهبت في برنامج مكافحة وتتبع وباء كورونا.

وفي أمريكا، شكلت الضرائب الفيدرالية المفروضة على العقارات نسبة 0.4 في المئة فقط من الإيرادات. ومع ذلك، ما زالت قيمة تلك الضرائب تكفي لشراء حاملة الطائرات فئة جيرالد آر فورد، إذا راق ذلك الأمر للناخبين. اللافت، أن 370 من كبرى العقارات في الولايات المتحدة الأمريكية، تمثل ما قيمته 11 مليار دولار من أصل 18 مليار دولار تمت جبايتها في عام 2021 من الضرائب العقارية المفروضة، في حين أن إجمالي العقارات التي يجب عليها دفع الضريبة بلغ 2500 عقار فقط.

على أية حال، لا يلتفت سوى عدد قليل من الناس للاهتمام بالمدفوعات الخاصة بضرائب الميراث، التي يتم تحصيل مبالغ ضئيلة للغاية منها، لكن هناك شيئاً أكثر عمقاً قد يفسر الانزعاج الذي نشعر به عند الحديث عن فرض ضريبة على الميراث.

واحد من الآراء المطروحة، يقول إنّ ضرائب المواريث تمثل وجهاً من وجوه الازدواج الضريبي؛ فالمتوفى ظل طيلة حياته يدفع الضرائب، وليس من العدل إذن فرض الضريبة على الأمهات أو الآباء مرة أخرى.

لكن عندما تطبق ضرائب المواريث، ينظر إلى هذا الرأي على أنه هراء. وتفرض الضريبة على المستلم لهذه الأموال لأول مرة، فيما يتم دفع الضرائب المفروضة على العقارات قبل التوزيع. سبب آخر لعدم وجود تأييد شعبي للضرائب المفروضة على الميراث والعقارات، هو أن الناس يدركون أنها ضرائب على الثروة لكن بمسمى آخر.

وإذا كان بوسع الحكومات أن تفرض ضريبة على ثروتك في اللحظة التي ترحل فيها عن هذه العالم، فلماذا لم تفعل قبل ذلك بعام، أو طوال حياتك؟

هناك أسباب أخرى تجعل الضرائب المفروضة على الثروة ذات معنى ومغزى. رغم صعوبة الترويج لها كما يرى الرئيسان إيمانويل ماكرون وجو بايدن. وفي حين تخلى حزب العمال عنها أيضاً، إلا أن فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لديها بالفعل ضريبة على الثروة ـ كل ما في الأمر أن هذه الضريبة يتم فرضها نتيجة للوفاة.

وهو ما يقودنا إلى البُعد النفسي الذي تحمله في جوهرها هذه القضية. قد تكون ضرائب الميراث غير ذات صلة بالخطط الاقتصادية القائمة، إلا أنها تثير ذلك الجانب النفسي لارتباطها بما يسيطر على حياتنا فعلياً: العائلة والوفاة.

من الممكن تبنّي وجهة نظر رجل الصناعة الأمريكي أندرو كارنيجي خلال القرن التاسع عشر. إذ كان يعتقد بضرورة الالتزام الأخلاقي المرتبط بالضرائب المفروضة على العقارات، وذلك «لتحقيق الغايات الأكثر فائدة للمجتمع»، ولكن «هذا أقل ما يمكن أن يفعله المليونير بعد عيش حياة أنانية وغير مستحَقة!» ربما ذلك.

لكن أكثرنا يميل للتمسك بما تتركه لنا العلاقات الإنسانية عبر الزمن بين الأجيال، وما تتركه وراءنا، إنها تلك القوة الكبرى التي بتنا نطلق عليها «الخلود الرمزي».

وكما يشرح ميهالي سيكسزنتميهالي ويوجين روتشبيرج- هالتون في كتابهما: «معنى الأشياء: الرموز الداخلية والذات»، فكما نتوق جميعاً للعيش إلى الأبد في أذهان أحبائنا وقلوبهم، فإن الخلود يتجلى في الأشياء الملموسة.

ربما صورة، أو كرسي لطيف، أو منزل العائلة، أو صندوق ائتماني بمليون دولار. الأصول التي تنتقل ملكيتها عبر التوريث، لها قيمة نفسية وعاطفية تتجاوز بكثير قيمتها المادية؛ ولذلك نشعر بحزن حقيقي، عندما يفرض السياسيون ضريبة على تلك الرموز.