كيف تكون إنساناً ناجحاً؟ هل النجاح سر من الأسرار؟ ما النجاح بالنسبة لكل واحد منا؟
البعض نجاحه في المال، فإذا حقق مبلغاً معيناً شعر بسعادة النجاح، والبعض في علاقاته الناجحة، والبعض في زواجه، والآخر في تكوين العائلة المستقرة، وآخر يرى نجاحه في أن يصل إلى مرحلة يشعر فيها بأن لحظته الراهنة كأنها آخر لحظات حياته.
ولكن أين يكمن سر النجاح؟ إنه ليس فقط بذكاء الناجحين أو قوة شخصيتهم أو بالدعم الذي حصلوا عليه وحسب، إنما بالتفاؤل وطرد شبح التشاؤم وإبعاد النظرة السوداوية لحياتهم وظروفهم القاسية، والانطلاق برحابة التفكير والسمو عن المعكّرات والمثبطات، والعمل بجدية وتواصل من دون تردد أو خوف، مسخرين ما يملكون من تفكير وعلم للارتقاء وتجاوز الصعاب، غير آبهين للعقبات أو أي من الظروف والمشكلات التي قد تعيقهم أو تحد من تقدمهم مهما كانت هذه المشكلات والصعوبات، ولعلي لا أكون مبالغة إذا قلت إن هذا هو السبب الرئيس في نجاحهم وتميزهم.
هيلين كيلير تلك الفتاة العمياء والصماء من ضمن تلك الشخصيات الملهمة التي نردد اسمها كمثال عن معنى الصمود والإرادة متعجبين من السر الذي يدفعها لمواجهة كل الصعاب من أجل تحقيق أحلامها.. فهي تعتبر من أشهر الشخصيات التي ولدت بالقرن التاسع عشر، وبعد عامها الأول أصيبت بالإعاقة جراء الحمى وكان الأطباء يعتقدون أن لا فرصة لها في الحياة.. رغم ذلك استطاعت النجاة من الموت لكنها فقدت قدرتها على الإبصار والاستماع. تقول في كتابها قصة حياتي العجيبة: «في طفولتي كانت يداي تتحسسان كل شيء وتستشعران كل حركة وبهذه الكيفية أمكنني أن أتعلم كثيراً من الأشياء».
المذهل في حياة هيلين هو شغفها بالتعلم وإصرارها على ذلك.. فقد أرادت في طفولتها أن تذهب إلى المدرسة وتنافس الأصحاء من أجل تحقيق حلمها بمواصلة تعليمها العالي في جامعة مرموقة والحصول على أعلى الشهادات، ولم يجد أهلها سبيلاً بإقناعها أن تغير رأيها وبعد إصرارها وكفاحها وتغلبها على جميع الصعوبات تمكنت من الالتحاق بمدرسة كمبردج رغم أن الأساتذة والمعلمين لم يمتلكوا أي خبرة في كيفية تدريس الطلبة الصم والمكفوفين، لكنها أظهرت تميزا وتفوقاً في مدرستها، وكانت تؤدي امتحاناتها عن طريق الآلة الكاتبة في قاعة لوحدها كي لا تزعج الطلاب الآخرين وتؤثر على تحصيلهم العلمي.. وغني عن القول أنها كانت تواجه صعوبات بالغة في استذكار الدروس ومراجعتها لأن المناهج الدراسية صممت لطلاب عاديين لكنها كانت تعتمد على كتب برايل التي كانت تتأخر في الوصول إليها دائماً.
وليست هذه المعضلة الوحيدة التي اعترضتها فالكتابة عن طريق برايل تتم وفق نظامين نظام انجليزي وآخر أمريكي، وكانت هيلين قد تعلمت على النظام الإنجليزي وفي أحد اختباراتها للقبول في كلية رادكليف وهي الكلية التي أرادت أن تكمل تعليمها العالي فيها فوجئت أن النظام الأمريكي بات مستخدماً في أوراق الامتحانات قبل تأديتها لهذا الاختبار بساعات قليلة..
لكنها استطاعت تجاوزه بنجاح باهر وقد كان امتحان مادة الجبر! بعد كل هذا، استطاعت أن تحقق ما حلمت به حيث ذكرت في كتابها: «برغم صعوبة الامتحانات الشديدة بالنسبة لي كانت معنوياتي مرتفعة وتولدت لدي القناعة بأني تمكنت حقاً من قهر كل الصعوبات وبالفعل تحقق أملي العظيم في نهاية المطاف وأصبح بمقدروي الالتحاق بكلية رادكليف!».
من خلال هذه الكلمات قالت لنا هيلين السر الذي يكمن وراء كل قصة نجاح.. إنها المعنويات المرتفعة والتفاؤل، إن التفكير الإيجابي ليس مجرد شيء مثالي يصعب تحقيقه، كما أن الإحساس بالرضى والقناعة ليسا مجرد شعارات نرفعها.. إنها إحساسٌ نحن من نقرر أن نتحلى به.. وهو إحساس يقودنا للنجاح، وللشعور بمكانتنا في عالم يموج ويتحرك بشكل دائم ومستمر.