لعل أخطر ما تتسم به المشكلات والأزمات الاقتصادية التي تواجه عالمنا المعاصر هو التزامن والتشابك والفجائية.
فالتزامن القائم مثلاً بين مشكلات التضخم العالمي وتعثر سلاسل الإمداد الدولية؛ والتشابك المستمر بين أزمتي السيولة الدولية وتفاقم مديونية الدول الآخذة في النمو؛ والفجائية الواضحة في تقلبات أسواق الطاقة وأسواق الصرف والتي تظهر باستمرار في تحركات الأموال الساخنة العابرة للحدود؛ كل ذلك ترك بصمته على ملامح وتفاصيل الصورة الراهنة لعالمنا المأزوم.
وزادت معاناة العالم جرّاء ما يواجهه من مشكلات وأزمات اقتصادية، حين احتدم التنافس بين أقطابه الرئيسية، وحين انخفضت كفاءة وفعالية البرامج التي ترعاها المنظمات الإقليمية والدولية، وحين تباينت الرؤى وتضاربت السياسات الوطنية حول مسببات وتداعيات هذه الأزمات، وحين انكفأت كل دولة على نفسها في جهود المواجهة دون اكتراث بأهمية التنسيق الدولي للتصدي لمشكلات وأزمات هي في جوهرها أزمات عالمية لا محلّية.
ومع اشتداد المعاناة التي تشهدها حالياً دول العالم وأقاليمه المختلفة، فإن كل خطوة تقطع في سبيل توحيد الرؤى وتحقيق التقارب وتنسيق الجهود ودعم البرامج الدولية هي خطوة لا بديل عنها للخروج من دائرة المشكلات والأزمات التي يواجهها الاقتصاد العالمي.
وبينما الاقتصاد العالمي على حالته تلك، وبعد عام حافل بالأزمات الاقتصادية، فإن القمة العالمية للحكومات في دبي باتت المتنفس السنوي الذي ينتظره قادة الفكر وصناع السياسات الاقتصادية، إما لعرض تجاربهم الملهمة ومناقشة رؤاهم المتميزة أو للتعبير عن تطلُّعاتهم واستشرافهم لمستقبل الاقتصاد العالمي.
فهذه القمة تمثل محاولة جادة لكسر القيود واختراق الحدود التي تضعها وتفرضها المشكلات العالمية الطارئة والمزمنة. ولِمَ لا؟ وهذه القمة أوجدت منصة عالمية تساعد الحكومات في مشاركة تجارب النجاح وفي التعلم من بعضها، كما أنها تسهم في تسخير التكنولوجيا والابتكار ليس لتطوير مؤشرات أداء الحكومات فحسب، بل لجعل إسهامات هذه الحكومات في الاقتصاد العالمي معززة للنمو المستدام لا معيقاً له أو مقيداً لمحركاته.
ولئن كان انعقاد القمة العالمية للحكومات للعام الحالي 2023 يكتسب أهميته الخاصة من ظروف السياق الاقتصادي المتأزم، فإن ما يرجوه الاقتصاد العالمي وما ينتظره من مخرجات هذه القمة أن تقدم إجابات دقيقة ووافية عن ثلاثة أسئلة ملحة حول دور الحكومات في السنوات العشر القادمة.
وأول هذه الأسئلة وأكثرها إلحاحاً يستكشف ماهية الدور الذي يتعين أن تقوم به الحكومات في محاصرة التضخم وتداعياته الاجتماعية؛ فبينما ينشأ هذا التضخم ويستورد بعيداً عن حدود سلطانها، فإن تداعياته المحلية الضخمة توجب تطوير سياسات تدخلية واعية بالإمكانات الواجب توظيفها للنزول بهذه التداعيات إلى الحدود الدنيا.
ثم إن ثاني الأسئلة الواجب طرحها على طاولة اجتماعات القمة يدور حول كيفية قيام الحكومات العالمية بمواجهة «الرقمنة الموازية» أو غير النظامية. ذلك أن انتشار هذا النوع من الرقمنة الخارجة عن رقابة الحكومات والسلطات النقدية الوطنية هو المهدد الأكبر لمكونات السيولة الدولية والمولد لموجات متتابعة من الجرائم الاقتصادية عالمية الطابع.
ولما كانت قمة الحكومات تستهدف أساساً حشد وتنسيق جهود الحكومات الدولية والتنسيق فيما بينها في شتى المجالات، وخصوصاً في العمل المناخي الدولي، فإن السؤال الثالث الذي يبحث عن إجابة هو كيف يمكن تدعيم أواصر التعاون المناخي الدولي كآلية واجبة في مواجهة الأزمات البيئية الطارئة والابتعاد عن الحلول الفردية التي يغذيها الاتجاه الراهن للانكفاء الوطني على الذات. ورغم صعوبة الإجابة عن هذا السؤال، فإن الخبر الجيد هو أن مدينة دبي مقر انعقاد قمة الحكومات هي ذاتها المكان الذي ستنعقد فيه قمة الأطراف القادمة للمناخ «COP28».
* باحث اقتصادي
رئيس قسم الدراسات الاقتصادية في مركز تريندز للبحوث والاستشارات