لم يعد يخفى التوجه العالمي نحو ما عرف تسميته بالحكومة الإلكترونية، وأصبح الرفاه البشري يعتمد بشكل مباشر على مدى تطبيق الخدمات الإلكترونية للجمهور، كونه يحصل على تسهيلات كبيرة وغير مسبوقة، فمن كان قبل بضع سنوات يضطر لمغادرة منزله والتوجه صباحاً لتجديد رخصة السير، أو لتسديد مخالفاته أو لمراجعة المصرف لعمل تحويل، باتت هذه الأمور ممارسة من الماضي، حيث يمكن إجراء مثل هذه المعاملات إلكترونياً وأنت جالس في منزلك وفي أي وقت يناسبك وتصلك رخصة السير حتى باب منزلك، أو غيرها من المستلزمات كتجديد رخص الإقامة للمكفولين أو رخصة المركبات والعديد من الخدمات المتنوعة، وكلما كانت الخدمات الإلكترونية في بلدٍ ما مزدهرةً ومتطورةً تدنت نسبة الكثير من المشكلات والتعثرات، بل يلاحظ دائماً نمو اقتصادي وازدهار وتوفير مالي كبير.
لكن يظهر سؤال كبير، هل تواكب مثل هذه الاستثمارات الهائلة، والمتنامية يومياً، استثمارات في الحماية وتطوير برامج تحفظ شبكات المعلومات بعيداً عن أيدي العابثين؟ الذي نراه في عالم اليوم، أنه مع تزايد الاستثمار في التحول الرقمي تتزايد معها الهجمات الإلكترونية التي تسبب تصدعات خسائر مالية كبيرة.
لقد تزايد ضحايا الاحتيال والخداع؛ وبالأخص على شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا الأمر الذي استدعى من عدد كبير من الدول مراقبة المحتوى ومحاولة وضع سياج هدفه حماية المستخدم، وبالأخص أمام التدفق الهائل من المعلومات، والتي تضم بين جنباتها أموراً مخلة بالذوق العام، وخادشة للحياء، فضلاً عن تجاوزها الأخلاقي، سواء من خلال كلمات أو صور أو حتى أفلام، تستهدف مختلف الأعمار والمستويات.
هذا الكلام ليس جديداً، ولا تعانيه دولة دون أخرى، ولا يهدد مجتمع دون سواه. فمعظم دول العالم التي شهدت شبكة الإنترنت ومولدها، تكتوي اليوم بنار الإجرام المعلوماتي، وضحايا الشبكة المعلوماتية في تزايد يومي، ضحايا على المستوى المالي وتنوع في السرقات في الشبكة المعلوماتية حتى في الألعاب الإلكترونية الخاصة بالأطفال، حيث يظهر من بين جنباتها صور ومفاهيم سيئة جداً وغير أخلاقية، كما أن هناك مواقع إلكترونية وهمية منتشرة تروّج للخطبة والتقريب بين الفتاة والرجل الراغبين بالزواج، للأسف كلها تحت مسمى الاحتيال.
يومياً نسمع باختراقات في شبكة الإنترنت، أو لحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل الخبراء في التقنيات الحديثة يؤكدون أنه كلما تزايد الاعتماد على الخدمات الإلكترونية، وكلما توجه الناس نحو استخدامات الإنترنت، فإنه من المتوقع تزايد مثل هذه الهجمات.
البعض قد يعتبر أن مثل هذه الحروب أرحم مما نشاهده في عالمنا اليوم، وقد يكون هذا صحيحاً في جانب، لكن بالتمعن في عمق الموضوع ستجد أن الحرب الإلكترونية، أكثر فداحة وتعذيباً، كونها تقتل ببطء، فهي تسحب من بين يديك مقدراتك وأسباب حياتك وتجعلك تصارع من أجل البقاء، هذا ليس خوفاً من التطور والتكنولوجيا، لكنه خوف حقيقي من عدم مقدرتنا في السيطرة على هذا الكم المعلوماتي، وكل هذا التواصل، وبالتالي عدم القدرة على دراسة حجم وأثر كل هذه التكنولوجيا على حياتنا وقيمنا، وأيضاً على روابطنا التي نشاهدها تعاني الآن.