حياتنا محطات متنوعة، وأقدارنا كالقطار، نحن ركابه، نحمل حقائب الترحال والسفر، نحلم بأن نُطل على المدى والبياض، حياتنا نصوص، سطور، فواصل، و.. نقطة على أول السطر.

وأنا الذي كنت أبحث عن حرية، وواحة أمان، وأنا ابن جيل صار وطنه حقيبة، فصرت المسافر إلى اللامكان.. أحمل وجعي، ونعاسي، وأفتش عن السكينة، أحمل معي وصايا أبي: «كن مع الله ولا تبالِ»، و.. نقطة على أول السطر.

وإذ بهذا القدر يفتح في جدار العمر كوة دخل منها الضوء، يوم حط بي الترحال في بلاد الخير، في إمارات العطاء، صارت وطناً يؤويني، وما عاد وطني حقيبة مسافر، بل انتماء، ووفاء، صارت كياني، وأرضي، كما قال النبي إبراهيم عليه السلام: «كل هذه الأرض، أرض الله»، فعشت فيها أجمل أيام هذا العمر الصاخب، في زمن «زايد الخير»، الذي تعلمت منه ألف باء العطاء والمحبة والتسامح، صار المدرسة، والقدوة، والمثال، زايد الخير الذي يعيش في قلوبنا وذاكرتنا، ومنه تعلمنا كيف تبنى الأوطان على دعائم من العلم والمحبة والإيمان والتسامح.

إنها الإمارات يا ولدي.. التي صارت وطناً.. وحبيبة.. وصديقة.. وأماً حنون، وأمنية بيضاء، صارت العشق الأبدي، إنها العروس الجميلة التي تعانق النخيل، والصحراء، والتاريخ.. يغسل البحر شطآنها، وتحمل مراكبها الدر واللؤلؤ والدانات، إنها حبي الأول والأبدي.. إنها الإمارات واحة المعرفة، ففي رحابها التقيت، وقابلت، وتعرفت، وأحياناً كثيرة صادقت كبار أهل القلم، والأدب والشعر والفن والإبداع والفكر من كل الأقطار والدول، ممن صارت الإمارات ندوتهم، مؤتمرهم، منتداهم، صارت القصيدة والأغنية، ونشيدهم، والصفحة المفتوحة في كتاب العلم والحياة.

إنها إمارات الخير والكرم يا ولدي، التي تفتح أبوابها مشرعة للقادمين إلى ربوعها، يفيض خيرها وتفيض بركتها، تفوح روائح قهوتها، وهال محبتها، حبها صار هويتي، عطاؤها صار دَيْناً يلازمني حتى أبديتي.. وإذا كنت فخوراً في حياتي يا ولدي، كما رددت دوماً أمامك، فبأنك ولدت مع إخوتك في هذه الأرض المباركة، استنشقتم عليلها، وتعطرتم ببركتها، وخيراتها، وتعلمتم من هذه الأرض الصلابة وحب العطاء.

مباركة أنتِ يا قمر ليالينا، وضوء يومنا، وفرحة لحظتنا، يا عطر الوقت والزمن، يا أرضاً أحببتها حتى العظم، تليق بك القصائد والأناشيد، تليق بكِ الحياة، يليق بك المجد يا بلاد المجد، وتليق بكِ أكاليل الغار.