في الخامس من يوليو 2020، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عن الهيكل الوزاري الجديد والذي ضم في تشكيله وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد ليؤكد سموه على مرحلة مقبلة من العمل الإداري تتضمن صورة غير تقليدية لم يعتد عليها الكثير من الموظفين، وهي مرحلة العمل عن بعد، وهذا التوجه من سموه لم يكن وليد الحدث العالمي الذي أصاب دول العالم جميعاً وهو جائحة كوفيد 19، بل إن سموه قد أكد عليه في القانون رقم 8 لسنة 2018م وهو قانون إدارة الموارد البشرية لحكومة دبي، حيث نص القانون الصادر من سموه في المادة (16) على نظام العمل عن بعد، ليعكس الرؤية المستقبلية التي تسير عليها الحكومة، وهو ما يؤكد مقولة أن أزمة كورونا لم تكن سبباً في ظهور العمل عن بعد، وإنما من أسباب تعجيل ظهوره وتطبيقه.

إن نظام العمل عن بعد ليس كما يتصور البعض رفاهية وراحة للموظف أو إجازة مستحدثة، فهو في المقابل يحمل فوائد وضرورات لجهات العمل، ولعل منها أن هذا الأسلوب الجديد للعمل سيؤدي لتلافي بعض السلبيات في العمل المكتبي، فمن فوائده الاجتماعية أنه سيؤدي لتقليل الازدحام المروري وفي الوقت ذاته الاستفادة من الأوقات المهدرة للموظفين على الطرقات، كما سيؤدي لترشيد النفقات على جهات العمل من حيث توفير المقرات والتجهيزات العامة من كهرباء وأجهزة ومعدات وشبكات اتصال.

ومن حيث العمل الإداري سيؤدي لتقليل حالات مؤرقة لجهات العمل من إجازات مرضية وعارضة قد لا تثار في ظل العمل عن بعد، كما سيؤدي لتقليل الكلفة في حالات المشاركات في الدورات التدريبية أو السفر لمهمات رسمية، وأخيراً وليس آخراً سيمكن هذا الأسلوب من الاستفادة من مواهب كثيرة في سوق العمل ممن لا يسعفهم وضعهم الصحي من العمل عن قرب، كبعض أصحاب الأمراض والحالات الصحية أو أصحاب الهمم، والموازنة بين الحياة الاجتماعية والعملية حتى لا تستغرق أياً منهما قيمة الأخرى، كما سيؤدي بالضرورة للتقليل من الضغط على صناديق المعاشات نظراً لحالات التقاعد المبكر.

لذلك يمكن القول إن العمل عن بعد ضرورة وليس رفاهية، ولكن التساؤل الذي يلي ذلك، كيف يمكن تنظيم هذه المسألة؟

إن العمل عن بعد وإن كان في ظاهره ثلاث كلمات إلا أن مضمونه وتنظيمه يحتاج للكثير من الجهد والعمل، فهو سيؤدي بالضرورة إلى تنظيم جميع المسائل المتعلقة بالموارد البشرية، ابتداءً من مسائل التعيين حتى مسائل نهاية الخدمة، فمن الطبيعي أن يثور التساؤل هل يعتبر العمل عن بعد أسلوباً من أساليب التعيين أم أنه أسلوب من أساليب العمل، فالقول بأنه أسلوب تعيين فذلك سيؤدي بالضرورة إلى أن الموظف المعين بهذا النوع لا يمكن لجهة العمل نقله للعمل عن قرب، أما القول بأنه أسلوب عمل فذلك يستتبع بالضرورة تنظيم شكله، فهل هو عمل مؤقت أم دائم؟ جزئي أم حر؟ ولكل منها صورته وطريقته وآثاره وأحكامه القانونية.

كما أن هناك تساؤلات أخرى تتطلب التنظيم من حيث المزايا والعلاوات فهل يعامل صاحب العمل عن بعد كالعامل عن قرب؟ وما هو الأمر بشأن إجازاته وأنواعها، وكم عدد ساعات العمل، ومتى تبدأ وكيفية الحضور والانصراف، وهل المشكلات التقنية التي قد تحرم الموظف من الحضور تعتبر عذراً رسمياً؟، وأين مقر العمل وهل يسمح له بالدخول للعمل عن بعد في أماكن عامة أم ينبغي مراعاة الخصوصية ودرجات الأمان في الشبكات بحيث لا يمكن الدخول من شبكات عامة، وما هو الحال بشأن إصابات العمل التي يمكن تعويض الموظف عنها وكيفية مدها لتشمل العمل عن بعد، وما هو الحال بشأن الترقيات؟ وماذا عن الإعارة والنقل والندب؟، كما يتطلب الأمر لتحديث لائحة المخالفات التي يتصور وقوع الموظف فيها، مما سيستلزم أيضاً بالضرورة في الختام تنظيم مسائل نهاية الخدمة؟

من أجل هذه التساؤلات وتساؤلات أخرى كثيرة ليس الوقت هنا لبسطها كان لزاماً على قطاعات الموارد البشرية وضع سياسة وأنظمة عمل ترسم أسلوب العمل عن بعد بأفضل صورة يُجاب فيه على جميع التساؤلات وينظم العمل حتى لا يكون فيه أي لبس.

ولذلك قامت الأمانة العامة للجنة دبي للموارد البشرية العسكرية وانطلاقاً من الدور الذي رسمه لها القانون رقم 6 لسنة 2012م بشأن إدارة الموارد البشرية للعسكريين المحليين العاملين في إمارة دبي برسم السياسة العامة للموارد البشرية العسكرية في الإمارة، وأيضاً حين نص بأن تقوم اللجنة «بالتنسيق مع هيئات الموارد البشرية المحلية والإقليمية والدولية حول أفضل الممارسات والمقارنات المعيارية والحلقات الدراسية وورش العمل والاستشارات وما شابهها»، قامت الأمانة العامة للجنة بتنظيم الملتقى الافتراضي الأول بعنوان «ملتقى الإمارات للموارد البشرية»، وذلك في 14/‏7/‏ 2020م والذي ناقش التساؤلات المتعلقة بتنظيم العمل عن بعد، وذلك بحضور الجهات والهيئات المعنية بالموارد البشرية في سواء على النطاق الاتحادي أو المحلي، وذلك بمشاركة 8 جهات مختلفة موزعة على إمارات الدولة استعرضت فيها تجربتها للعمل عن بعض في الفترة السابقة، وأكدت هذه الجهات أنها تعمل على وضع سياسات وتشريعات تنظم العمل عن بعد للفترة المستقبلية، وهذه دلالة على أن العمل عن بعد ليس تطبيقاً وقتياً عارضاً، مؤكدين في الختام نجاح تجربة العمل عن بعد وجاهزيتها لهذا الأسلوب الحديث في العمل.

لقد كان الهدف الرئيسي من هذا الملتقى تقريب وجهات النظر، والاطلاع على الممارسات التي تمت في الجهات المختلفة سواء الاتحادية أم المحلية، مدنية أم محلية، كما يهدف الملتقى للوصول لرؤى موحدة مطبقة في مختلف إمارات الدولة، كما تعتزم الأمانة العامة وضع مسودة مقترحة لنظام العمل عن بعد ليكون النموذج المقترح بعد الإطلاع على الممارسات المختلفة.

* أمين عام لجنة دبي للموارد البشرية العسكرية