الاستدامة ليست أمراً جديداً في دولة الإمارات، فقد مارسها أجدادنا لسنوات طويلة، واستطاعوا العيش في ظروف مناخية قاسية، من خلال الاستخدام الأمثل والمستدام للموارد القليلة المتاحة، وساهموا بشكل مباشر في ضمان بقاء تلك الموارد للأجيال اللاحقة.
وانطلاقاً من الاهتمام المبكر الذي أولاه القائد المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، لقضية البيئة والتنمية المستدامة، جاءت التحولات المهمة التي تشهدها الدولة، في ظل القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، لا سيما في مجال التنويع الاقتصادي، وتنويع مصادر الطاقة.
كما أن مجموعة المبادرات التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وفي مقدمها استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء، تهدف بمجملها إلى تبني نهج الاقتصاد الأخضر، كخيار استراتيجي، وتحويل اقتصادنا الوطني إلى اقتصاد أخضر مستدام منخفض الكربون.
لقد عملت قيادتنا الرشيدة دائماً، على توجيه طاقاتنا نحو مستقبل ما بعد النفط، وذلك من خلال التركيز على الإبداع والابتكار، وتأهيل الكوادر الوطنية لقيادة المستقبل، من أجل ترسيخ قاعدتنا الاقتصادية الحالية، وإيجاد قطاعات اقتصادية جديدة ومستدامة، وقائمة على المعرفة والابتكار، لتعزيز قدراتنا التنافسية ومكانتنا العالمية. وبدون شك، فإن «استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل»، التي أعلنت لتحقيق رؤية قيادتنا الرشيدة، تمثل الأداة الأهم في صناعة المستقبل الذي نصبو إليه.
وباعتبارها جزءاً أساسياً في هذا العمل، فإن وزارة التغير المناخي والبيئة، تهدف إلى معالجة القضايا البيئية المُلحّة التي تواجهنا، بطريقة تضمن المحافظة على نمو اقتصاد دولتنا من جهة، وحماية موروثنا الثقافي والحضاري من جهة أخرى، وذلك من خلال وضع خطة شاملة وطموحة، تكون مثالاً يحتذى به في المنطقة للتعامل مع قضايا المناخ والبيئة.
ويمثّل التغير المناخي أبرز القضايا ذات الأولوية بدولة الإمارات، نظراً لما يحمل من تأثيرات في القطاعات الاقتصادية والنظم البيئية، حيث تواصل وزارة التغير المناخي والبيئة، وضع الأسس المناسبة للتعامل مع هذه القضية على المستويين الوطني والعالمي، خاصة في ظل المستجدات المتعلقة بها محلياً وعالمياً.
ومن هنا، تأتي جهود إعداد الخطة الوطنية لتغير المناخ، لتعزز دورنا الريادي في المنطقة، من خلال تبني سياسات ومشاريع رائدة في مجال الطاقة المتجددة والطاقة النووية للأغراض السلمية، وتخزين الكربون، وتعزيز كـــفاءة استهـــلاك الطاقة والمياه عن طريق تبني خيار العمارة الخضراء والنقل المستدام.
وسترتكز الخطة الوطنية، التي سنعمل على إنجازها، بالتعاون مع شركائنا في القطاعين الحكومي والخاص، على استثمار كل هذه السياسات والمشاريع وتطويرها، وضمان أن تسير تدابير الحد من تداعيات التغير المناخي، جنباً إلى جنب مع النمو الاقتصادي بعيد المدى، الذي نسعى إلى تحقيقه، وخلق المزيد من فرص العمل، ورفع مستويات وعي المجتمع بالقــضايا والتحديات المستقبلية ذات الصلة بالبيئة والتغير المناخي.
وتشكّل العلوم والأبحاث المستندة إلى بيانات دقيقة وحديثة أساساً، لوضع السياسات واتخاذ القرارات، ولهذا، فقد اهتمت دولة الإمارات بالاستثمار في مجال البحث العلمي، وتطوير رأس المال البشري، فعملت على تأسيس «لجنة الإمارات لأبحاث الاستدامة البيئية».
حيث ستعمل اللجنة على الاستعانة بكبار الخبراء في القطاع الحكومي والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لوضع استراتيجية بحثية شاملة، مختصة بقضايا التغير المناخي والبيئة.
نحن نؤمن بأن المستقبل الأفضل، هو المستقبل الذي يحافظ على موروثنا الحضاري ويعززه، ولهذا، فإننا نعمل على تشجيع الممارسات التقليدية المستدامة، وتهيئة الظروف المناسبة لاستمرارها وبقائها، عن طريق بناء شراكات استراتيجية، وخلق حوافز مادية ومعنوية لممارسي هذه الحرف، وفي مقدمهم المزارعون وصيادو الأسماك، فقمنا، على سبيل المثال، بإطلاق بطاقة «موروثنا»، التي تتيح للصيادين والمزارعين، الحصول على فوائد وخصومات ومزايا أخرى من عدد كبير من الشركات والمحال التجارية في الدولة.
كما بدأنا في شـــهر مارس الماضي بتنفيذ برنامج «الكهوف الصناعية»، الذي يستهدف إنزال 900 كهف صناعي صـــديق للبـــيئة في مناطق مخــتلفة من الدولة، لتعزيز مـــخزون الأسماك في البيئة البحرية واستدامة حرفة الصيد.
وعلى الصعيد العالمي، نبذل قصارى جهودنا لتطوير حلول تأتي بنتائج مثمرة على أرض الواقع. فقد كانت الإمارات أول دولة في المنطقة تصادق رسمياً إلى اتفاق باريس للمناخ، الذي يعد أول استجابة عالمية حقيقية لقضية التغير المناخي. إن الأساس الذي بني عليه اتفاق باريس، يقضي بأن تقوم كل دولة بتحديد كيفية استجابتها لتغير المناخ، بما يتوافق مع أولوياتها الاقتصادية والتنموية.
وهذا يعني بالنسبة إلى الإمارات، العمل بروح الفريق، لإيجاد حلول مبتكرة ومستدامة، تجمع الهيئات الحكومية وقطاع الأعمال والمجتمع الأكاديمي وفئات المجتمع كافة، لخلق فرص اجتماعية واقتصادية جديدة.
وفي هذا الصدد، ضمّ وفد الدولة في مؤتمر الدول الأطراف المشاركة في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في مدينة مراكش المغربية، مؤخراً، ما يـــقارب 200 ممثل عن القطاع الخاص والقطاع الأكاديمي والمجتمع المدني، وأكثر من 30 شاباً وشابة. ونحن عازمون على تشجيع الفئات والقطاعات كافة، وحشد جهودها للتغلب على تحديات التغير المناخي والبيئة.
وتجدر الإشارة إلى أننا سنطلق العام المقبل، ثلاث مبادرات رئيسة، الأولى هي الدورة الثانية من ملتقى أبوظبي للإجراءات العملية، الذي سينعقد في شهر يناير من العام المقبل، خلال فعاليات أسبوع أبوظبي للاستدامة. وسيجمع هذا الملتقى، نخبة من قادة الحكومات وقطاع الأعمال، للعمل على ترجمة النتائج السياسية الناجمة عن محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ، إلى إجراءات عملية.
وفي إطار المبادرة الثانية، سنقوم بالتعاون مع القمة العالمية للحكومات، بإضافة محور مخصص لقضايا المناخ للقمة التي ستعقد في شهر فبراير المقبل، بهدف تسريع عملية إيجاد حلول مبتكرة، من خلال تسخير خبرات المبتكرين ومستشرفي المستقبل.
وسيركز أول محور لنا خلال القمة، على موضوع الأمن الغذائي. وتكمن المبادرة الثالثة، في إنشاء وتفعيل مجلس أعمال خاص، يهدف إلى تصميم السياسات التي تلبي احتياجات أعمال معينة، لفتح آفاق وفرص جديدة، وتشجيع اتخاذ الخطوات الطموحة والضرورية.
إننا نمتلك في دولتنا، ولله الحمد، جميع المقومات التي تؤهلنا للاستجابة بنجاح لتغير المناخ وحماية بيئتنا، وتؤهلنا في الوقت نفسه لبناء اقتصاد مرن وقوي وأكثر قدرة على المنافسة. ويتمثل التحدي الراهن في كيفية استغلال الفرص المتاحة أمامنا اليوم لخلق مستقبل أكثر استدامة وسعادة لأجيالنا القادمة.