استوقفني خبر إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بالأمس القريب، المراحل التنفيذية لبناء القمر الصناعي «خليفة سات»، ليس لأنه أول قمر صناعي عربي أو إماراتي
فالعرب لهم أقمار صناعية عدة، والإمارات تمتلك بالفعل قمرين صناعيين؛ وإنما لكونه أول قمر يتم بناؤه وتصنيعه بالكامل في الإمارات، وبكفاءات إماراتية بنسبة 100%، ليكون بذلك أول قمر صناعي من إنتاج عربي خالص.
إن فكرة أن تكون «الأول» هي من سمات هذا القائد، يعلمها لأبناء وطنه بكل ما فيها من إيجابية العمل والتواضع، وبعيدا عن سلبية التكبر والاستعلاء على الناس.
استوقفني الخبر وأنا أرى في هذا المشروع الجديد رسالة جديدة من رسائل الإلهام والتحفيز، التي عودنا سموه على إطلاقها بين الحين والآخر؛ بل هي رسائل متعددة:
الرسالة الأولى للعالم بصفة عامة والعرب على وجه الخصوص، أن لنا نصيبا من كعكة التقدم والإنجازات، ولن ننشغل بقضايا جانبية عن التنمية والتعمير، وإن كنا مشغولين ومهمومين بما يدور حولنا ـ وهذا واجبنا ـ إلا أنه لا يخرجنا عن الطريق الذي سلكناه؛ فاحذوا حذونا وكونوا معنا: «إن لحاقنا بعصر الفضاء ليس بعيداً ولا مستحيلاً، وإن دولتنا ستكون رائدة في هذا المجال، ولدينا الثقة والشجاعة للدخول في منافسة الدول الكبرى في هذا الميدان».
الرسالة الثانية لأبناء الوطن: «يغمرنا جميعاً الفخر حين نرى أبناء وبنات الإمارات يشكلون أول فريق عربي يتمكن من بناء قمر صناعي بنسبة 100%، وإطلاقه للفضاء في العام 2017 بإذن الله تعالى».
إنكم يا شباب الإمارات لا تقلون كفاءة وحماسة عن غيركم، وها هي الحكومة تدعوكم للمشاركة في فرق عمل مشابهة في العديد من المجالات الأخرى، فابحثوا عن الفرص السانحة، ليس بالضرورة في فرق العمل هذه بالذات؛ ففضاء الأعمال فسيح والأجواء مهيأة لإبداعاتكم، والطاقة الإيجابية هنا وهناك، فلا تغفلوا عن هذه الرسالة.
الرسالة الثالثة هي الإشارة إلى أهمية العمل الجماعي، وضرورة تشكيل فرق العمل لإنجاز المشروعات الكبرى؛ فقد انتهى زمن الإنجاز الفردي حتى إن بدا للناس أنه كذلك. فما من قائد ولا مبدع ولا صاحب رقم قياسي أو إنجاز أولمبي، إلا وراءه فريق عمل كبر أو صغر، لا يستطيع تحقيق ما يحققه إلا بدعمه وعونه.
والعمل الجماعي قبل ذلك راسخ في تراثنا؛ فقد أمرنا الله بالاعتصام بحبله جميعا ونهانا عن التفرق، وأرشدنا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أن يد الله مع الجماعة؛ فجدير بدولة الاتحاد أن تتبنى منهجيات العمل الجماعي، وجدير بأبنائها أن يندرجوا فيه تحت مظلة مؤسساتها.
إن وعد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بأن فريق عمل القمر الصناعي الجديد سيكون محل اهتمامه ومتابعته الشخصية، ليرسل إشارة إلى أهمية المتابعة الشخصية للقائد، وأن يدعم متابعة التقارير بالنزول إلى الميدان؛ ليس عن عدم ثقة بالرعية أو الموظفين، وإنما لتشجيعهم وتحفيزهم ليتجاوزوا ما هو متوقع منهم. فالقيادة في هذا السياق تتجاوز حدود الكلمات إلى الفعل والتواصل والتلاحم لتحقيق الطموحات وبلوغ الغايات.
إن المتأمل في مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد ليجد فيها مزيجا رائعا للسبق والريادة والإبداع؛ فمن حراثة البحر بـ «النخيل»، إلى مطاولة السحاب بأعلى برج في العالم، وأخيرا غزو الفضاء..
كل ذلك في سياق حضاري مستدام يهتم بالبعد الاجتماعي، ولا يغفل الثقافة والأدب، ويأخذ بأسباب العلم والمعرفة، ويؤسس لاقتصاد قوي ونهضة عمرانية متفردة، ويتبنى حسن الجوار والعلاقات القوية مع القاصي والداني.. سياق لا يحده المكان، ويأخذ بأبعاد الزمان؛ ماض وحاضر ومستقبل..
يأبى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلا أن يترك بصمة على الماء، وقرب السحاب، وفي أغوار الفضاء.. فماذا بعد؟!