عودنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، على ألا نتعود، وأن نتوقع من سموه ما لا يتوقع، وهو بذلك يضرب المثل بتطبيق حكمته الشهيرة "تعود على ألا تتعود" التي سطرها ضمن عشرين حكمة في كتابه "ومضات من فكر" أحدث مؤلفاته؛ ذلك الكتاب القيم المتنوع، الذي يعرض فيه سموه بعضاً من تجاربه الحياتية، وأفكاره القيادية، وبعضاً من الآراء الإنسانية العظيمة التي تتشكل منها شخصية قائد عربي ناجح، ذي تجربة رائدة، في نبذ الطاقة السلبية، وعدم الاعتراف بالمستحيل، وفي فن القيادة والإدارة، والتشجيع على الإبداع والتنمية، وزرع الطموح الذي لا تحده مسافات.

إنه نتاج تجربة إنسانية ثرية، أنصح بقراءته كل باحث عن الحكمة.

"تعود على ألا تتعود" فيها معنى جميل ومباشر، في نبذ الروتين الذي هو أشرس عدو للإبداع، وها هو سموه لا يزال يفاجئنا بكل جديد ومبتكر في السباق نحو التميز؛ وأخيراً وليس آخراً مبادرة سموه بدعوة شعب الإمارات إلى المشاركة في أكبر عصف ذهني في العالم، لتطوير قطاعي الصحة والتعليم في الدولة، عبر توليد أكبر قدر من الأفكار والحلول الإبداعية، يشترك الجميع في صياغتها وتطويرها وتنفيذها.

فشعب الإمارات أصبح في هذه التجربة الفريدة غير المسبوقة، بمثابة فريق عمل كبير يشارك في تطبيق أساليب وأدوات الجودة والتميز، التي يطبقها المتخصصون المحترفون في الشركات والمؤسسات.

إن مبادرات سموه في التطوير والإبداع، سواء في المجال الاقتصادي أو التطوير العمراني أو في التميز الحكومي، تذكرني بحديث من القلب لسمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد ولي عهد دبي، في حفل برنامج دبي للأداء الحكومي المتميز عام 2012، حيث قال لأخيه سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد نائب حاكم دبي، في سياق حديثه عن السباق نحو التميز وصعوبة اللحاق بصاحب السمو الوالد: "ترى الوالد صعب المهمة علينا".

إن اختيار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، لقطاعي الصحة والتعليم على وجه الخصوص كمجال للتطوير على الرغم من الطفرة التي تعيشها الدولة بالفعل في هذين القطاعين - لم يأت من فراغ، لخصوصية الصحة والتعليم كركيزتين أساسيتين في قيام الحضارات.

فقديماً كان الأطباء والعلماء ومؤلفاتهم من أبرز موروثات الشعوب والأمم، وحديثاً ذهب كثير من علماء الاجتماع إلى أن تقدم الدول يقاس بمدى تطور الخدمات الصحية والتعليمية فيها؛ وليس أدل على ذلك من أن كبريات الدول الرأسمالية تؤمن الخدمات الصحية والتعليمية لمواطنيها، وتجعلها متاحة على أعلى مستوى. فصحة الأجسام وصحة العقول بالتعليم متلازمان، طبقاً للمقولة المشهورة "العقل السليم في الجسم السليم"، الأمر الذي يجعل الشعوب مستعدة لاستحقاقاتها جاهزة للتحديات التي تنتظرها.

أما المشاركة المجتمعية في هذا العصف الذهني الكبير، فهي امتداد طبيعي لحالة التناغم بين شعب الإمارات وحكومته الرشيدة، وهي في الوقت نفسه تؤكد ترسخ مبدأ الشورى السائد بعفوية منذ بزوغ فجر الإسلام، متبنية لأحدث أساليب صنع واتخاذ القرار، المتمثلة في أداة العصف الذهني، مطبقة لآليات العصر في التواصل والتفاعل عبر المواقع الإلكترونية، ناهيك عن الإثراء الفكري الناتج عن الاستفادة من تجارب الغير، والابتداء من حيث انتهى الآخرون، واعتبار خصوصيات الشعوب والأمم، حيث ليس بالضرورة أن ما يصلح هناك يصلح هنا، ثم اختيار أفضل الممارسات المناسبة لمجتمع الإمارات، بإرثه الثقافي والحضاري.

فأياً كان نتاج هذه التجربة الفريدة من سياسات وقرارات؛ سيشعر الجميع بملكيتها، والمشاركة في صنعها، والحماس الشديد لتطبيقها، والوقوف على سلبيات التطبيق لمعالجتها وتطويرها مرة بعد مرة، في سباق التحسين المستمر الذي ليست له نهاية.

إن الغرض من هذه السطور ليس المشاركة بالرأي حول آليات تطوير الصحة والتعليم؛ وإنما هو إلقاء الضوء على هذه التجربة الرائدة المبدعة في أسلوب المشاركة المجتمعية، عن طريق هذا العصف الذهني الكبير، وهذه الحالة من التناغم بين الشعب والقيادة..

فواحد من أسعد شعوب الأرض لهو جدير بقيادة تذهب إليه وتستشيره وتقرر في ضوء ما يراه، وهو بدوره يلتف حولها ويدعمها ويؤيدها، وخلال هذا وذاك يزداد سعادة على سعادة.