جاءت القمة الخليجية الأخيرة التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض في ظروف إقليمية ودولية غير مسبوقة، وكان متوقعاً أن ترمي هذه المستجدات بظلالها على بيان القمة الذي جاء مواكباً للتطلعات المصيرية التي شكلت في الأيام الماضية هاجساً لدى الكثيرين، خاصة وأن مجلس التعاون الخليجي هو البيت العربي الوحيد الذي لا يزال صامداً أمام عواصف الربيع العربي العاتية، لذلك لاقت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، والتي تتلخص في العمل على تشكيل اتحاد بين دول المجلس القبول والرضا بين مواطني المجلس، ووجدوا نوعا من الارتياح النفسي خاصة وأن دول المجلس باتت تعاني من صداع امني بسبب تدخلات دول الجوار في شؤونها الداخلية ومشكلاتها الأمنية.
ويمكن القول إن فكرة الاتحاد التي طالب بها زعماء دول المجلس وان كانت فكرة مثالية في ظاهرها، إلا أنها تنطوي على كثير من التحديات التي تتطلب مصداقية في العمل والفكر، خاصة ان كثيراً من الحيثيات الاقتصادية والاجتماعية المشتركة بين دول المجلس لا تزال مؤجلة منذ إنشاء المجلس وحتى يومنا هذا، بدءاً من تفعيل كامل لكافة بنود ونصوص الاتفاقية الاقتصادية بين بلدان المجلس الموقعة عام 1981 والمعدلة عام 2001 .
إضافة إلى مشروعات الربط الكهربائي والمائي، والبرنامج الزمني للوحدة النقدية، وشبكة سكة حديد موحدة، فالمعوقات التي واجهت تطبيق بنود هذه الاتفاقية أو بمعنى أدق تفعيلها حالت دون تحقيق مفهوم الاندماج الاقتصادي الكلي بين دول المجلس، بل أحبطت محاولات تحوّل المجلس إلى تكتل اقتصادي فاعل في ظل تكتلات عالمية اقتصادية مؤثرة، واليوم ونحن نلمس هذا التوجه الذي يطلقه خادم الحرمين، ويصر على طرحه فربما يكون سببه نزعة حقيقية تريد تلافي أخطاء الماضي والعمل بجدية اكبر في ظل هذه الظروف الأمنية الصعبة التي أسقطت كثيراً من الحكومات وغيرّت خارطة الوطن العربي في بعض أجزائه.
وكان من المفهوم أن تطالب القمة في بيانها وقف التدخلات الإيرانية في سياساتها، بمطالبتها صراحة بالكف عن سياسات التدخل في شؤونها والإعراب عن « بالغ قلق دولها » لهذه الممارسات، أما فيما يخص العراق فإن البيان الختامي لقمة المجلس دعم موقف الكويت من موضوع ميناء مبارك الكبير، وطالب العراق في الوقت نفسه بمراعاة العلاقات الأخوية التي تربطه بدول المجلس وذلك بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس، ووقف الحملات الإعلامية التي لا تخدم تطور العلاقات وتقدمها بين الجانبين.
وفي ظل هذه التوضيحات من قبل القمة إزاء دول الجوار نجد أن الرد الإيراني كان سريعا وحادا، بل يمكن القول إن الرد الإيراني على مطالبات القمة وضع دول المجلس في جانب استعدائي حين وصف الاتهامات الخليجية بالمفبركة.
وجاء ذلك على لسان رامين مهمانبراست المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بل كان من الأجدر حسب قوله أن تقوم دول المجلس بإدانة أعمال التجسس الأميركية ضد إيران، في الوقت الذي أصر على موقف إيران تجاه ما حدث في البحرين ووصف قوات درع الجزيرة بالتدخل السعودي في شؤونها، ومع استمرار هذا الموقف الإيراني من دول المجلس، فإن القلق الخليجي يبدو مبرراً بل وضرورياً، وفي مقابل ردود الفعل الإيرانية على ما جاء في البيان، فإن ردود العراق كانت أهدأ بل أبدى استعداده لتمتين أواصر العلاقات بينه وبين دول المجلس، إلا أن الموقف الكويتي بتصدير مشكلة ميناء مبارك الكبير وبحثها عبر جلسات المجلس كان محل استفهام وتعجب عراقي.
وقد وصف المالكي في أحد التصريحات «أن على الكويت أن تذهب باتجاه الحل الثنائي وليس عبر الاستقطابات» ويمكن أن نفهم أن الحكومة العراقية غير راضية عن لجوء الكويت لحظيرتها الخليجية في الدفاع عن حقوقها في ميناء مبارك الكبير، مما قد يؤدي مستقبلاً لعرقلة تقدم المباحثات بين الطرفين، لكن بعض المحللين يرى أن الموقف الكويتي بوضع المشكلة على الطاولة الخليجية جاء بعد أن لمست بعض التدخلات الإيرانية في موضوع الميناء.
رغم ما لهذا الميناء من تأثيرات مستقبلية ايجابية على كافة الأطراف المعنية، كما يرى بعض الاقتصاديين، حيث يكتسب بناء ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان أهمية كبرى من الناحية الاستراتيجية الاقتصادية، وتأتي هذه الأهمية كونه يقع في زاوية تخدم ثلاث دول قريبة منه وبشكل مباشر (الكويت إيران العراق) ودول بعيدة عنه نسبياً، لكنها سوف تستفيد منه أيضاً مثل (سوريا لبنان الأردن تركيا) عبر النقل البري، كما يعمل على قصر المسافة للسوق الخليجي والعالمي.
أما بالنسبة لموضوع انضمام كل من المملكة الأردنية والمملكة المغربية، فإن الغموض لا يزال يكتنف هذا الجانب، وأكد البيان على مفردة « التعاون المشترك » ولم يتعرض لمسألة الانضمام لا من بعيد أو من قريب، لذا جاءت هذه الفقرة غامضة للبعض، ولكن كما بدا أن المنظومة الخليجية مغلقة على أعضائها حتى أجل مسمى، ولعل التكتل الخليجي الحالي لا يزال بحاجة إلى ترتيب وتأثيت للداخل.
ولم يحن أوان دخول أعضاء منتسبين فالطريق لا يزال طويلاً أمام تحدي الاتحاد والاندماج، وعملية استقطاب أعضاء جدد سيضعف المنظومة، لذلك فإن صندوق التنمية الخليجي لدعم المشاريع التنموية في كل من الأردن والمغرب ربما سيعمل على رفع مستوى الحياة الاقتصادية فيهما، بحيث يمكن احتواؤهما مستقبلاً لضمان تكتل اقتصادي قوي في جميع حلقاته.