الكتابة حول بعض الأحداث التي لا تزال تختمر، ربما هي من الصعوبة بحيث لا يمكن للكاتب أو حتى القارئ إلا استشفاف النتائج، بناء على بعض المعطيات المتاحة أمامه لاستشراف المستقبل وأبعاده، والحديث المتواصل عن التجربة الانتخابية التي سيقبل عليها مواطنو دولة الإمارات في سبتمبر القادم، هي من قبيل هذه الأحداث التي تدفع بعض المهتمين لمراقبة تسلسل الوقائع، ولا سيما بعد أن انتهت اللجنة الوطنية للانتخابات من عقد ندواتها التعريفية في مختلف إمارات الدولة، والتي ألقت الضوء على حقوق وواجبات الناخب.

إضافة إلى الوقوف عند استفسارات الجمهور الحاضر. وربما لفت نظر عناية اللجنة الوطنية تدني مستوى الإقبال على هذه الندوات، نظراً للتوقيت في هذه الفترة تحديداً، ما جعل البعض يتساءل عن جدوى هذه الندوات مع كم الغياب الذي شهدته. ورغم ذلك واصلت اللجان عملها الدؤوب في رفع مستوى التوعية بأهمية الانتخابات المقبلة، خاصة وأن الفترة الزمنية التي تفصل بين عملية الترشح وعملية الانتخابات النهائية، تكاد لا تتيح للبعض الاستعداد الأمثل للتفكير أو التخطيط البناّء، بالذات لمن يرغب في الترشح للمجلس.

وإذا أردنا العتب على اللجنة الوطنية للانتخابات، فسيكون بالدرجة الأولى منطلقاً من التوقيت لإعلان أسماء الهيئات الانتخابية، الذي تزامن مع فترة الإجازات والسفر، ناهيك عن الجدول الزمني لعملية الترشح. وربما يجد الراصد لفترة الشهرين التي ستسبق إعلان النتائج النهائية للانتخابات، أنها كافية ومستوفية شروط الترشح والترشيح، إلا أن البعض يجدها مضغوطة من الناحية الفعلية، وذلك لعدة أسباب؛ أهمها أن فكرة الترشح للمجلس الوطني ليست في واقع الأمر فكرة ارتجالية وليدة الحدث، وإنما لا بد أن تقوم على أسس مدروسة وتأتي لتضيف لمشوار الشخص الراغب في الترشح، ثانياً لا بد من توافر الزمن المطلوب لوضع استراتيجية مالية لخوض الانتخابات.

والأهم من هذا وذاك، أن تكون أمام المرشح فرصة مناسبة لوضع أجندة انتخابية، تعبر بصدق عن طموحات الناس وتفعّل في الوقت نفسه دوره المنتظر في المجلس. ولعلنا لمسنا في الدورة السابقة لانتخابات المجلس الوطني، كمّ التداخل بين أجندات المرشحين، لدرجة أن البعض وقف محتارا في عملية الانتخابات نتيجة لهذا التشابه المفرط، وربما من الأسباب التي تتعلق بالتوقيت وبالجدول الزمني للانتخابات، أن من الممكن أن يسهم هذا العامل في إصابة البعض بالسلبية وعدم التواصل مع الحدث بصفته من الأحداث التاريخية في التحولات السياسية نحو عملية متكاملة في المستقبل.

ناهيك عن البعض الذي لا يرى في نفسه القدرة على الاختيار الأمثل للمرشحين، نتيجة عدم معرفته بمن يستحق منهم الوصول للمجلس. ولعل الأكثر طرافة في هذا الحدث، أن البعض وحتى اللحظة لا يعرفون أنهم ضمن قوائم الهيئات الانتخابية، نتيجة عدم وجود تماس حقيقي بكل ما قد يحدث خارج إطار حياتهم الشخصية والعملية، لذا قد يكون من الصعوبة التنبؤ بمستوى التفاعل الإيجابي في عملية الانتخاب، التي ستجرى في الرابع والعشرين من الشهر المقبل.

إن المتطلع لمستقبل مشرق للمجلس الوطني الاتحادي، سيتقاطع بالضرورة مع رؤية القيادة الرشيدة المتمثلة في خطاب صاحب السمو رئيس الدولة، والذي وضع تصوراً محدداً بكلمات اختزلت الحاضر والمستقبل، وذلك من أجل تحقق التمكين الفعلي للمجلس الوطني الاتحادي، ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للمؤسسة التنفيذية. لذا من المهم استثمار الفرص والاستفادة من هذا التفهم العميق لعملية الإصلاحات السياسية التي تتبناها القيادة، ومواكبتها من قبل كافة مؤسسات الدولة، حتى يحدث الانتقال السلس والاندماج المطلوب، بعيداً عن الفجائية التي قد يشعر بها البعض اليوم.

وكان من الضروري أن تقوم المؤسسات المعنية بخطوات استباقية، بحيث تتواصل هذه الندوات إعلامياً طوال السنة، لأن هذا التحول إلى الديمقراطية يتطلب استنفاراً وتعبئة شعبية مستمرة لتكون على مستوى الحدث، ويكون العرس الانتخابي مبنياً على أسس متينة من فهم عميق، وليس فهماً سطحياً يتبع القطيع، وتتساوى في هذا المرأة والرجل. فأمام الدولة أهداف كثيرة جميعها تصب في خدمة الوطن والمواطن، لذا حين يأتي دور المجلس مفعِّلاً ومكملاً، لا بد أن يكون إضافة نوعية في حقيقة الأمر وليس مجرد واجهة شكلية، وهذا لن يحدث بالصورة المطلوبة إذا لم يفسح المجال والوقت أمام المواطن كي يحظى بفرصته الكاملة، خاصة في ظل قوائم الهيئات الانتخابية الحالية التي غاب عن بعضها اعتبار المستوى التعليمي للمرشحين.

إذاً، أمام مواطني الدولة اختبار وطني حقيقي، يتطلب تفاعلاً مشرفاً للوصول إلى الحد المرضي في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة. وهناك تواريخ قادمة في الفترة المقبلة، لا بد أن يحرص أعضاء الهيئات على التقاطع معها، لعل أهمها قبل يوم الانتخابات، هو يوم الإعلان عن القائمة النهائية لأسماء المرشحين، والذي سيكون في الثامن والعشرين من أغسطس الجاري، وسيكشف الغطاء عن أبرز المرشحين، والذي يحقق لك ولها الاقتراب من تفاصيل حملاتهم الانتخابية وأجندتهم والتعمق فيها، بحيث لا نتوقف عند الشعارات المطروحة بقدر الانغماس في سمات الشخصية التي ستحقق هذه الشعارات، وقدرتها على تفعيلها قولا وفعلا.

ودعمها على أسس حيادية، خاصة وأن العتب مرفوع في هذه الانتخابات التي تضع عبئاً ثقيلاً على كاهل كل من سيدخل المجلس، لأن المسؤولية التي تحمّلها الدولة لأعضاء المجلس ستضعهم تحت دائرة الضوء مباشرة. لذا من لا يرى في نفسه القدرة على حمل هذه المسؤولية أمام الله والوطن، فليضع جانباً طموحاته الشخصية ويسخر إمكاناته لدعم الآخرين.. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.