لقد كان أداء المجلس الوطني الحالي مخيبا للآمال بدرجة لا سابق له من المجالس التي سبقت مما أدى إلى عدم اكتراث المواطنين بعمله، ونتيجة لاستشعار رئاسة المجلس لذلك القصور ركزت على نشاط المجلس الخارجي وكأن ذلك تعويض وعوض عن قصور أدائه المحلي الذي من أجله أنشئ، ولكن هيهات أن يعوض ذلك الناس عن ما ينغص عليهم من مشاكل محلية يعانون منها ولا يتصدى لها المجلس بالنقاش وتقديم التوصيات لحلها واستجواب الوزارات الخدمية المقصرة بتلك الشؤون.
في هذا المقام لا بد لنا من ذكر ملاحظتين هامتين ولو أنهما هامشيتين بالنسبة لأداء المجلس في مجمله وهما: 1 - تفوق أداء الأعضاء المعينين على أداء الأعضاء المنتخبين. 2 - تسبب الأعضاء المنتخبين في حالة إحباط لجمهور الناخبين بوعود انتخابية لا يمكنهم الوفاء بها بأي حال من الأحوال من خلال عملهم بالمجلس الوطني ولكنهم استعملوها وسيلة لعضوية المجلس.
نتيجة لخيبة الأمل الكبيرة كتب الأستاذ عبد الغفار حسين « المجلس الوطني هل إليه حاجة؟» مقترحا إلغاؤه وإقامة مجالس محلية! ورد عليه رئيس المجلس الوطني ردا لم يرق لما نأمل ويليق بمكانة رئاسة المجلس .
ولذلك كتبت مقالة في صحيفة البيان «الطريق إلى مجلس وطني فاعل» بعدها تراجع الأستاذ عبد الغفار حسين عن فكرة المطالبة بإلغاء المجلس الوطني وكتب «المجلس الوطني الاتحادي والمجلس المحلي صنوان» مستثنيا المنتسبين للعوائل الحاكمة من عضويتها انتقاصا من حقوقهم الدستورية بأقل من سائر المواطنين لسبب لا أساس له من القانون أو الواقع المعاش إلا من أمانيه الشخصية.
. فكتبت مفندا قصور طرحه في مقالتي «عبد الغفار حسين ومجالسه المحلية» إضافة للعديد من الأسئلة عن مقترحه ولكن الأستاذ عبد الغفار حسين لم يجب على ما ورد بالمقالة من أسئلة ولم يعتذر عن اقتراح انتقاصه من الحقوق المدنية لمنتسبي العوائل الحاكمة كما يقتضي الحال أدبيا وقانونيا.
ونتيجة لمدى الإحباط العام من تدني أداء المجلس الوطني ما كان من البعض إلا أن تصيد أداء رئاسته ونشرها على البلاك بيري والتي عرفت لاحقا «بحملة البلاك بيري» في صحافتنا المحلية وكذلك على الإنترنت وما تلاها من ذيول.
. وعندما تتابعت انهيارات النظم الجمهورية التي قامت خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم بسبب تحجر نظمها وعدم تطويرها خلال الستين عاما المنصرمة، روج المحازبون للنظم الجمهورية بأن ما يحدث هو ربيع الثورات العربية التي تعم الجميع دون استثناء ولا تخص النظم الجامدة التي يجازبون ويتسترون بهذا القول على فشلها، وقد وجد هذا الطرح قبولا لدى فئة من الإخوة الكرام في دولة الإمارات، .
وفي غمرة نشوتنا جميعا وأملنا في حرية إخوتنا في تونس ومصر وما يتبع بالخير إنشاء الله، فكان رأيهم أن حل عدم كفاءة المجلس الوطني هو في الانتخابات المباشرة لأعضائه ومنح المجلس كامل الصلاحيات الرقابية والتشريعية ودون العمل على إصلاحه ورفع كفاءة أدائه، ودون استنفاذ الصلاحيات الممنوحة للمجلس والبناء على التجربة القائمة تدريجيا وصولا لهدفنا المنشود من مجلس تشريعي رقابي، .
كما فات الإخوة الكرام في عريضتهم التي قدموها لصاحب السمو رئيس الدولة وأعضاء المجلس الأعلى، الإشارة إلى أي نظام برلماني يودون الاقتداء به والاسترشاد بأسس عمله، فالنظم النيابية في العالم كثيرة متعددة بتعدد البلاد والثقافات، واستجلاب أي مقترح معلب، منبت من بيئات لا تمت لعاداتنا وثقافتنا وتجربتنا أو من تصور خيالي لمدينة فاضلة سوف لن يكتب له النجاح.
إلا أن علاج قصور أداء المجلس الوطني سيرتقي بعمله ويزيد ثقة المواطنين به لإنجازاته لا شك، أما إعطاء المجلس مزيدا من الصلاحيات مع عدم استغلال الصلاحيات التي لديه كما هو حال المجلس الوطني الآن، سيفاقم حالته من عدم القدرة على استخدام الصلاحيات الممنوحة له وفي حال استخدامها غير الرشيد، لعدم خبرته بالتبعات وما تؤول له الأمور، سيدخل المجلس نفسه والدولة في دوامة من سوء استخدام الصلاحيات تنعكس سلبا على جميع شؤون ومرافق الدولة، والشواهد حية وعديدة وليست بعيدة عنا وليست بخافية على أبسط الناس.
والمجلس الأعلى للاتحاد عبر المسيرة الاتحادية كان دائما سباقا ومشهودا له بمبادراته السياسية الرائدة التي تجسدت كمثال على ذلك بتشجيعه مشاركة المرأة بأعلى النسب خليجيا وعربيا في جميع سلطات الدولة ومستوياتها، وهو لاشك سيبادر برفع سقف صلاحيات المجلس الوطني حالما يفعل ويستنفذ سقف الصلاحيات الممنوحة له قبل أي مطالبة.
وندوة جريدة البيان عن المجلس الوطني التي نشرت وقائعها على حلقتين في الرابع والخامس من مايو الجاري، كانت مثال النهج العلمي والعملي استجلاءا لمواطن القصور لسدها واستشراف آفاق التطوير وتسليط الضوء على الإيجابيات، هذا إذا لم نستطع أن نأتي بما هو أفضل مما أفضت به الندوة من نتائج وخلاصات جزئيا أو كليا.
إن تدني أداء المجلس الوطني أزمة مرورية بامتياز، ليست في الشوارع ولكن في مرور الآراء والأفكار وتداولها بيننا الذين نصف أنفسنا «بالفئة المتنورة» من حيث النقد البناء طرحا وإيجابا.
فاستحداث المترو لوحده لم يكن كافيا، بل توجب استحداث شبكة كفوءة من حافلات النقل العامة لعمله، وكان ذلك غير كاف أيضا، فكانت الحاجة لأعداد كافية من المستخدمين لوسائل النقل الجماعي المشترك بدلا من وسائل النقل الفردية.
. فحرية الرأي دون صحافة حرة لا قيمة لها، وصحافة حرة لا قيمة لها دون كتاب رأي يستنزفون مساحة حرية الرأي؛ تعمر أعدادهم محاريب الصحافة ومؤمنين بتلاقح الأفكار، ولكنهم عملة نادرة كما نرى، فيجب أن تتزايد أعدادهم فبهم يرتفع أداء المجلس وتفعل صلاحياته غير المستخدمة وغير المفعلة، وهذا ما تعمل الدولة جاهدة عبر برامجها بزيادة أعدادهم.
ولكن بوضعنا الحالي معظم كتاب الرأي يفضلون وسائل النقل الخاصة، ويصر القليل منهم السير في الاتجاه المعاكس، والبعض الآخر من ذوي الاختصاص والمستوى الأكاديمي تسندوا إشارات تقاطع المرور دون مساهمة إيجابية لحل أزمة المرور وكأنهم خشب مسندة لأسباب محيرة حقا وذلك لعدم مساهمتهم في أي حوار بناء بعقلنته لتطوير المجلس الوطني الاتحادي.