ماذا عسانا أن نقول؟ أي لغة تستطيع أن تجسد ما يحدث في دبي؟ أي كلمات ومفردات قادرة أن تخوض تحديا بحجم وصف مدينة تقارع وتنافس نفسها، تنمو وتتطور بسرعة النبضات المستمرة في أعماقك، تفصح كل دقيقة عن حاضر بديع ومستقبل أكثر إبداعا، لم تزعج من حولها بالشعارات والخطابات والوعود، بل كبرت بصمت ولم تقاطع إنجازاتها عندما كانت تتحدث عن نفسها، برؤية شجاعة وعزيمة حديدية وطموح بحجم السماء أو أكبر انطلق حلم عظيم وفكرة حان موعد تنفيذها اسمها دبي،.
هذا الحلم الذهبي الذي لمع في رأس القائد الملهم والإنسان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي صنع هذا الحلم الجميل لشعبه وسكان مدينته، وأعطاهم إشارة بليغة وواضحة تقول: احلموا بل وأطلقوا العنان لأحلامكم وأمنياتكم فالحاضر والمستقبل هو ملك لكل المؤمنين بأحلامهم وأهدافهم.
من حسن حظي وكرم الجغرافيا ولطفها أن جعلتني أسكن مدينة قريبة من دبي وتفصلني عنها رحلة جوية لا تتجاوز الساعتين، أصل بعدها إلى تلك المدينة المبهرة التي أتساءل بحضرتها من أين أبدأ، من أي الفصول أنطلق؟ فكل شيء فيها مغلف بمادة الإبهار ورونق المستقبل، فهي لم تبهر الخليجيين والعرب فحسب بل أسرت سكان المعمورة كلها من أقصاها إلى أقصاها.
وقفت بإعجاب أمام النافورة الراقصة مقابل برج خليفة أتأمل روعة هذه المياه السعيدة التي تتمايل يمنة ويسرة، ويقف إلى جانبي شاب آسيوي يحمل كاميرا تخزن روعة المنظر وسحر اللحظة.
وأمامي هندي وإلى جانبه عجوز أميركي بشعره الأبيض يحمل هو الآخر كاميرا تسجل بدون تركيز ما يحدث أمامه وهو يعلق هو وزوجته التي بدت على وجهها علامات الفرح التي مزجت مع تجاعيدها الناعمة. لا أعرف لماذا اجتاحتني رغبة قوية أن أسألهم عن رأيهم في دبي، فجاءت الإجابة مفاجئة لي. قالت الزوجة:
جبت أنا وزوجي العالم شرقا وغربا، زرنا مدنا وحضرنا مهرجانات عالمية بعدد سنين عمرنا وأكثر، لكننا لم نر شيئا يشبه دبي بعد، إنها شيء غير معقول فعلا، إنها مدينة لا تصدق.
هذا الموقف مررت به أكثر من مرة حينما كنت أرافق والدي، رحمه الله، في رحلته العلاجية في مستشفى قابع في إحدى ضواحي كاليفورنيا الهادئة، حينما لا تسعفهم ثقافتهم بالتعرف على البلدان العربية أخبرهم عن دبي، أتفاجأ أنهم يعرفونها ويتحدثون عنها بإعجاب وحب، يسألون عن سر هذه المعجزة التي فاقت قصتها كل قصص الأساطير التي سمعوا عنها وقرؤوا.
أثناء حديثهم وثنائهم على دبي أشعر بالفخر والاعتزاز يسري في عروقي مخلفا لذة وسعادة على وجهي، كم نحن فخورون بتلك العروس الجميلة، وكم نحن معتزون بهذا القائد العبقري المسكون بهاجس المستقبل، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي استيقظ مبكرا وأسس بسنوات قياسية مدينة عالمية ومركز استثمار وجذب وسياحة من الطراز الرفيع،.
وقدم لشعبه آلاف الفرص للعمل والتطور، فكل ذلك الاهتمام بالاستثمار المادي والأسمنتي لا يقارن بحجم الاهتمام والتركيز على بناء شيء أهم وأغلى هو الإنسان، حين بنى الجامعات ومؤسسات التعليم والتدريب المتفوقة لتأهيل القيادات الشابة، واحتضن المهرجانات وقرب الكراسي والمناصب للمؤهلين من الشباب، وأسس أنظمة دقيقة تفوقت على عُقد البيروقراطية.
وضمنت مستوى عاليا من الشفافية والاستقلالية للقضاء ومؤسسات الرقابة والمحاسبة، وفكرا إداريا معاصرا، وأطلق مبادرات إنسانية وثقافية أكدت أن الهم التنموي أجدى من ألاعيب السياسية ومتاهاتها.
فأصبح المواطن الإماراتي وكل المقيمين في دبي يشبهون روعتها وطباعها الجميلة، يشعرونك بأنك جزء منهم وأن دبي هي مدينتك وبيتك، وأهلها هم أهلك، وهذا باعتقادي أحد مخرجات الحضارة التي تحدث فيها، فلا أنسى كيف رحبت بي جريدة البيان ؟ الغراء ؟ وفتحت ذراعيها لي بحب ودون منة للكتابة في صفحاتها.
أخيرا، ما حدث في دبي ليس صدفة، وما هي عليه من مكانة عالمية على صعد كثيرة هو نتاج سنين من العمل والسهر ووضع العرق في مكانه الصحيح، هنا ليس مديحاً من أجل المديح، فما عادت دبي تنتظر أو تحتاج المدح، لكنه تأكيد على أن الأحلام قد تتحول إلى حقيقة، وأن التطور أقرب من التخلف، هذا ما علمتنا إياه دبي الجديرة بتلك المكانة، وهي قبل وبعد كل شيء أهل لهذه الحضارة وهذا التحدي.