في الوقت الذي يبرز دور آسيا مجدداً على الساحة العالمية في القرن الحالي، سوف تصبح أصولها الحضارية موضوعا للدراسة والمناقشة المكثّفة. فالآسيويون يواصلون اكتشاف ماضيهم، ويستمدون الإلهام من الماضي للمستقبل. يغطي هذا الإلهام جميع المجالات، بما في ذلك الحكم والبحث العلمي والهندسة المعمارية والصحة والجمال. ويبرز بشكل متزايد انفجار هائل في التكيف الإبداعي في جميع أنحاء آسيا، فقد مرّ العالم الغربي في مرحلة مشابهة عندما كان يجتاز مرحلة العصور الوسطى. من هنا جاء لفظ «عصر النهضة»، ليتم تطبيقه على البزوغ الآسيوي الحالي.

وكجزء من هذه النهضة، أقرّ البرلمان الهندي مؤخراً، مشروع قانون بإعادة ترسيخ جامعة «نالاندا» كجامعة عالمية. وتعتبر هذه الجامعة هي الأقدم في العالم حتى الآن، وقد ظلت مزدهرة على مدى قرون، قبل تعرضها للدمار على يد الغزاة الأفغان في القرن الثاني عشر.

وبالطريقة نفسها التي يمكن للمرء أن يحدد أصول الحضارة الغربية في اليونان وروما والمسيحية، يمكنه أيضا ربط جذور الحضارة في شرق آسيا بنفوذ الأديان.

وكما تمت استعادة ماضي أوروبا جزئياً من خلال الأداة العربية، لأن العرب كانوا مفتونين بحضارة الإغريق، وتمت ترجمة أعمال هذه الحضارة إلى اللغة العربية في الوقت الذي كانت أوروبا الغربية لا تزال غارقة في العصور المظلمة، فإن ماضي آسيا تم استرجاعه جزئياً من خلال الأداة الغربية. ولولا المساهمة الكبيرة من جانب الباحثين الغربيين، لكانت معرفتنا عن ماضينا في آسيا أكثر ضعفاً اليوم.

أشير هنا إلى ما ذكره «ألكسندر كننغهام» بشأن تعريف «نالاندا»، من خلال ترجمة إنجليزية لسجل رحلات «شوان تسانغ» إلى الغرب، والدراسة الموسوعية لجوزيف نيدهام في العلوم والحضارة الصينية. ويعتلي الآسيويون، أيضا، أكتاف الآخرين في هذا الصدد.

من السهولة بمكان، عاطفيا، الحديث عن التراث الديني في آسيا، بدل مناقشة التفاعلات المؤلمة على مر القرون في الأديان السماوية الثلاثة؛ اليهودية والمسيحية والإسلام. بالنسبة لأبناء إبراهيم، فقد كان هناك تاريخ حافل من الصراع.

تعلمنا الأديان السماوية ألا نكون متغطرسين، وأن كل عمل له عواقبه. وهذا يذكرنا بأن نكون طيبين. وتعتبر الإنسانية أداة قيمة نحتاجها أكثر من أي وقت مضى في عالم منكمش، حيث لا دين ولا جماعة عرقية بعينها تتسم بالأغلبية.

تقع منطقة جنوب شرق آسيا بين شرق القارة وجنوبها، وهي الملتقى الذي تمتزج فيه كل الديانات والثقافات الكبرى في العالم. ولو كنا عاجزين عن التعايش مع من يختلفون عنا في المعتقدات الأساسية، فلن يكون هناك سلام أو شراكة. وتحت الرياح التجارية، تطورت ثقافات هناك في جنوب شرق آسيا، مما مكن مختلف الجماعات العرقية والدينية من التعايش.

جذور هذه المرونة وصلت إلى شواطئنا منذ أكثر من ألفي سنة. فقد أمضى العديد من الرهبان (البوذيين) البارزين، أمثال «فا شيان» و«يي جينغ» اللذين قاما برحلات بين جنوب آسيا وشرقها، وقتاً في جنوب شرق آسيا، لا سيما في «سريويجايا» وسومطرة. ويعتبر التوفيق بين المعتقدات، طريقة للحياة في منطقة جنوب شرق آسيا. ففي العديد من مدن جنوب شرق آسيا، من المألوف أن تجد المساجد والمعابد والكنائس على مسافات قصيرة من بعضها البعض، ومتلاصقة. هل توجد أي مشكلات نتيجة ذلك؟ نعم، بطبيعة الحال، هناك مشكلات يومية بسيطة، لكن الحكمة السائدة هي التحلي بالتسامح وإيجاد سبل للعيش معا.

وبالإضافة إلى التراث الديني الآسيوي، فإن التراثين الإسلامي والغربي يعتبران أيضاً عناصر مهمة في توحيد آسيا. وعلى عكس الاتصال التاريخي للإسلام مع الغرب، كان وصول الإسلام إلى جنوب شرق آسيا مختلفا تماماً، فقد جلب معه النظافة ونظاما من الثقة التي سهّلت التجارة. ولفترة طويلة، سيطر التجار المسلمون على طريق الحرير البحري، من البحر المتوسط إلى الصين. وكان النفوذ العثماني بين المسلمين في جنوب شرق آسيا عميقاً، ويعد السونغوك، الذي يرتديه المسلمون في جنوب شرق آسيا، من بقايا ذلك النفوذ.

لم تكن منطقة الشرق الأوسط والهند المصدر الوحيد الذي جاء منه الإسلام إلى جنوب شرق آسيا، فقد جاء من الصين أيضاً، وكانت الأساطيل الكبيرة تنطلق من مينغ الصينية، وتبحر إلى جنوب شرق آسيا والمحيط الهندي قبل ‬600 عام، وكان يقودها قباطنة مسلمون، وكان أشهرها بالطبع، أسطول «تشنغ هي».

ويعد التراث الإسلامي موضوعا آخر في عصر النهضة الآسيوية، التي ينبغي أن يتم تناولها يوماً ما. ولا ينبغي أن ننشغل بمخاطر الجماعات المتطرفة، فعلى الرغم من أن الأمر سوف يستغرق سنوات عديدة، فإن الاضطرابات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تدلّل على المستقبل الذي يريد أن يولد.