الخبر الذي نشرته وكالة «رويترز» قبل بضعة أيام أثار في ذهني المعضلة، التي تحير الناس حوال العالم، وهي ما الراتب المناسب للإنسان؟. الثابت أن كثيرين لن يعجبهم العجب، ولذلك ستظل إشكالية تحديد الراتب في شتى المراتب الوظيفية معاناة مستمرة لأصحاب القرار.
بالنسبة للقياديين هناك رؤساء الدول، الذين ليس لرواتبهم معيار ثابت، ويحكم ذلك عوامل عديدة تاريخية واجتماعية وبروتوكولية، ومهمة إدارة بلد ليست بالأمر الهين، ولا أظن أن الحمل الذي يقع على عاتق الفرد يساوي أي مبلغ يُعطى له.
أما منطلقات تحديد رواتب القياديين الآخرين في القطاع الخاص والعام حول العالم فإنها ذات صلة بمبدأ الربط بين الأداء والمسؤوليات، فهم لا يتقاضون رواتب فقط مقابل الوقت، بل مقابل المسؤوليات الجسام الملقاة على كاهلهم، فضلاً عن معضلة اتخاذ قرارات استراتيجية ذات تأثير واسع، وإدارة المخاطر، والأهم تحقيق نتائج ملموسة.
ولذلك فإنه بحسب تقرير ماكنزي لعام 2021 تبين أن أغلبية الشركات الكبرى تربط بين مكافآت القياديين والأداء المالي للمنظمة. هناك أيضاً مبدأ المقارنة المرجعية benchmarking، حيث يتم تحديد راتب القياديين مقارنة مع منافسين محليين أو إقليميين، لضمان استبقاء الكفاءات.
وهذا ما يبرر في كثير من الأحيان توجهنا كوننا أعضاء مجالس الإدارة نحو إعادة النظر المستمرة في ما نقدمه لموظفينا من رواتب وتعويضات مادية حتى نضمن البقاء في دائرة المنافسة، كما أننا قد نقرر لظرف استثنائي أو رغبة استراتيجية عدم منح رواتب وحوافز مادية تنافسية بمعنى نعطي أقل من السوق.
وقد نفعل العكس فنقدم عروضاً تنافسية، وهو أمر يطول شرح أسبابه، الأهم أن هذا الأمر لا يكون مزاجياً بيننا كوننا أعضاء مجلس الإدارة، بل نعين شركة استشارية كبرى، تقوم بمهمة مسح السوق، ووضع حوافزنا في رسم بياني دقيق، لنعرف موقعنا من الآخرين، فضلاً عن تقرير تفصيلي لكل منصب ووظيفة.
منظمة أوكسفام البريطانية توصي بألا يتجاوز راتب المدير التنفيذي 10 أضعاف راتب من يعملون تحت إدارته مباشرة. في الواقع ليس هناك معيار أو نسبة محددة نجمع عليها، لكن المبالغة في الفجوة تثير إحباط العاملين.
هناك مسألة في غاية الأهمية مرتبطة بسياسات الرواتب للعاملين بشكل عام، منها تصنيف الوظائف بناء على المهارات المطلوبة والمسؤولية والجهد المبذول، وهو إجراء يتخذه القائمون على الموارد البشرية يسمى «تقييم الوظائف» قبل اعتماد المناصب والوظائف، كما يجب ألا نغفل عما يعرضه «السوق».
فالخطورة ليست في تسرب القياديين فحسب، بل قد تتسرب جموع هائلة من البشر من منظماتنا لمنافسين أو لقطاعات أخرى، فنخسر خيرة كوادرنا. عادة ما يغادر الأكفاء أولاً، مثلما يسبق السباح الماهر الجميع بالقفز من سفينة توشك على الغرق.