ماذا يحدث لأولئك الذين يقفون فجأة أمام لحظة الانكسار الأولى؟ الذين يُخذلون فجأة ودون سابق استعداد؟ الحياة لا تجهز أحداً للصدمات، ولا تمنحنا قسوتها منطق الرأفة، فالحقيقة أنه لا منطق للانكسار والتجارب القاسية، حتى إن الفلاسفة والكتاب والشعراء والمفكرين، سواء الذين وقعوا ضحايا الخذلان أو جربوا انكسارات الحياة الكبرى، حاولوا أن يعرفوا لماذا، لكنهم عادوا من رحلة السؤال بلا إجابات!

إن معظم هؤلاء قد تحدثوا عن تجارب حياتية قاسية خبروها منذ طفولتهم، مع اليتم والفقر وفقدان الأوطان والسجون والمعتقلات وخذلان الأصحاب وخسارة الأحباب و... فاستخلصوا أن الحياة لا تعطينا حكمتها ما لم تُذقنا مرارات بلا نهاية، لأنها جُبلت على هذه الثنائية الصعبة التي تبدو وكأنها الوحيدة التي تُسير الحياة ونواميس الكون نفسه: الخير والشر، النور والظلام، الحياة والموت، السعادة والحزن و...إلخ.

مع ذلك، فإن الذين يقفون فجأة أمام لحظة الانكسار الأولى عندما يخسرون من يحبون، لسبب مقنع أو حتى غير مقنع، عندما يودّعون أحبتهم بشكل نهائي، عندما يُخذلون من الصاحب والأخ، وتحديداً في اللحظة التي لا يتوقعون فيها الخذلان، عندما تخونهم صحتهم وأجسادهم ويقعون صرعى أمراضٍ بلا علاج، هؤلاء لا ينكسرون مرة واحدة فقط، بل تنزع الحياة عنهم أجمل أقنعتها، قناع الأمان، أو وهم الأمان، دفعة واحدة.

ما يحدث لهم ليس مجرد حزن أو خيبة، بل خلل في ترتيب العالم، وترتيب علاقاتهم مع كل تفاصيل هذا العالم، هذا الخلل لا يصيب نظامهم النفسي فقط، ولكنه يضرب -حتى- نظام لغتهم وقاموس مفرداتهم، فتصبح الأشياء التي كانت بديهية مشكوكاً فيها، بشكل يشبه انقلاب المفاهيم: الناس، النوايا، الثقة، وحتى الذات.

إن أول صدمة لا تأتي كجرح عابر، بل كـكشف قاسٍ؛ فيكتشف كل منا أن الحياة لا تعمل وفق منطق العدالة الذي ربّتنا عليه، وأن الطيبة لا تُكافأ دائماً، وأن القرب لا يعني الأمان، لكننا سنعرف يوماً أن الحياة حين اختارتنا للتجربة، قد اختارت كثيرين غيرنا للهدف نفسه، وأننا جميعاً طرحنا عليها السؤال نفسه: لماذا نحن؟ لكنها لم تجب أحداً، تركتنا نصل لإجاباتنا، كلٌّ بطريقه وطريقته، هذه هي الحكمة وهذا هو الجواب!