ظهر في الآونة الأخيرة، وضمن مناسبات فنية ضخمة، عدد من الفنانات ذوات التاريخ الفني الكبير (ميادة الحناوي ونجاة الصغيرة على سبيل المثال) بشكل لا يليق بمكانتهن الفنية الكبيرة، فقد ظهرت ميادة لتغني بصوت بدا متحشرجاً وبأداء ضعيف لا يليق بذلك الصوت الجميل الذي أبهر جماهير الوطن العربي لسنوات طويلة ماضية، كما ظهرت نجاة على المسرح وهي بالكاد قادرة على أن تقف على رجليها لتقدمها في العمر (87)، ومثلهما فعلت المغربية عزيزة جلال عندما أصرت على الغناء بعد سنوات من الاعتزال، فأعرضت عنها الجماهير التي كانت تصفق لها طويلاً في سنوات ظهورها في الثمانينيات! فلماذا هذا الإصرار على الوقوف أمام الجماهير؟ كان هذا السؤال مثار نقاش بين مجموعة من الصديقات، اللواتي أبدين نوعاً من الاستياء لهذا الظهور غير المبرر، فبينما رأت إحداهن أنه هروب لأمجاد الماضي وسعي لاستعادة الجماهير التي انفضّت، فسرته أخرى بأنه عدم اعتراف بسطوة الزمن وتغير الأحوال، وقالت أخرى إنها الرغبة لكسر طوق العزلة والنسيان!

إن كثيراً من المشاهير والنجوم يقعون في هذه الفتنة وهذا الاستلاب أمام الجماهير كما نرى اليوم، حتى إن هؤلاء النجوم يصيبهم نوع من الجنون أو الإحباط إذا كبروا أو إذا فشلت أعمالهم وانحسرت عنهم الأضواء والجماهير والمعجبون، كما حدث مع الممثلة (سعاد حسني مثلاً عندما سقطت في المرض وانتهت) تماماً فيما بعد.

هذه ظواهر حديثة لم يتطرق لها غوستاف لوبون في كتابه القيم (سيكولوجية الجماهير)، لأن الكتاب قديم وقد ظهر للمرة الأولى في عام 1895، حيث يبحث في ظاهرة الجماهير وسيكولوجيتهم وردات فعلهم، دون أي إشارة لـ«فتنة الجمهور على النجم» أو استلاب المشاهير أمامهم.

لكن الأفكار التي طرحها لوبون تفسر بدقة هذه الظاهرة، حيث يقول لوبون إن الجماهير تخلق أوهام العظمة، وتمنح من يقف أمامها هالة غير واقعية، فتضخم صفاته وتحوله إلى رمز، من هنا نسمع مصطلح هذه الفنانة تحولت إلى (ديفا) أي معبودة! فمن جعلها كذلك؟ الجمهور بلا شك بتعزيز الإعلام! هذه الهالة أو الحالة لا تخص الفنان فقط، بل تتجاوزه لتشمل الزعيم، الرمز الديني، النجم السينمائي، نجم الغناء، ونجم كرة القدم... فيشعر بقوة وجاذبية ليست بالضرورة صادرة عنه بل مسقَطة عليه من الجماهير.