مع هذا الانتشار الهائل لمواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أن أصبح الفضاء الرقمي هو المكان الأكثر احتشاداً بالبشر طيلة الوقت، بات من الطبيعي أن يتنافس الملايين لاستغلال هذا الفضاء من أجل الانتفاع من مزاياه وتحقيق الشهرة وجني الأرباح بالبحث عما يهم الناس ويداعب خيالاتهم ونزواتهم واهتماماتهم، فدخل الجميع في سباق بلا نهاية!

لقد شهدت السنوات الأخيرة انتشاراً واسعاً لأشخاص يقدمون أنفسهم بوصفهم مدربي حياة وخبراء تغذية وعلاجات في مجالات متعددة كالصحة النفسية والجسدية، إلى جانب إعطاء إرشادات لتحسين جودة الحياة والعلاقات الاجتماعية، وصولاً إلى تقديم نصائح طبية متخصصة تصل لحد وصف علاجات وأدوية. ويحدث هذا غالباً دون سند علمي، ودون تأهيل مهني يسمح لهم بالخوض في مثل هذه الموضوعات الدقيقة.

تتّسع هذه الظاهرة بسرعة لسبب واضح: التأثير الكبير الذي يمتلكه بعض صناع المحتوى على جمهور واسع، يشعر بالحاجة الدائمة للتوجيه والدعم، فيلجأ إلى ما يقدمه هؤلاء بحثاً عن حل أو طمأنينة. غير أن المشكلة تبدأ حين تتحول النصائح العامة إلى وصفات علاجية، أو بدائل غير آمنة عبر الاستشارات الطبية، أو عندما يُدفع المتابعون إلى اتباع مكملات وأدوية دون رقابة.

لقد أصبحت غرف الكثيرين أشبه بصيدليات صغيرة، امتلأت بمنتجات تُسوَّق عبر الإنترنت، باعتبارها حلولاً جاهزة لمشكلات معقدة، بينما قد يكون بعضها ذا تأثيرات مدمرة. وبذلك يبني كثير من المؤثرين حضورهم ومكاسبهم على هذا النوع من المحتوى، دون تقدير لتأثيره الحقيقي على صحة الناس وسلامتهم!

غالباً ما يُقال إن «الناس مسؤولون عن خياراتهم»، وإن «لا أحد يجبر أحداً». غير أن هذا لا ينفي حقيقة مهمة: التأثير واقع، وله قوة كبيرة، خصوصاً على الأشخاص الأكثر هشاشة، الذين يبحثون عن أي بارقة أمل أو أي نصيحة قد تخفف قلقهم أو ألمهم، وهؤلاء هم الأكثر عرضة للانسياق وراء مثل هذه النصائح غير الآمنة!

لا أحد يطالب بقمع حرية التعبير، بل وضع الأمور في إطارها الصحيح، فلكل مجال أهله، ولكل اختصاص ضوابطه. والمحتوى الصحي أو العلاجي يحتاج إلى علم وتخصص موثوق، وإلى مسؤولية أخلاقية تجاه المتلقي. لذلك، من الأفضل أن يلتزم كل شخص بما اختص به، وأن يُترك الحديث في القضايا الطبية والنفسية لأصحاب الخبرة الحقيقية، حفاظاً على صحة المجتمع، وتقليلاً لمساحات التضليل المدمرة!