في السنوات القليلة الماضية تغيرت صور نمطية سائدة في بنية مجتمع القراءة والثقافة العربية فيما يخص قوة التأثير الذي يمثله الكتاب والكاتب على جمهور المتلقين والقراء من الشباب العربي، هذا الأمر يتبع حالة أكبر هي الوضع السياسي الإقليمي العربي.
فالدول التي لطالما كانت دولاً أطرافاً في النظام العربي الإقليمي، كدول الخليج والجزيرة العربية، قفزت إلى مركز النظام وأصبح لها دور وازن وتأثير كبير بل أصبحت من الدول ذات العلاقات الممتدة ضمن النظام السياسي والاقتصادي الدولي (المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر..).
حدث هذا بسبب مفاعيل التنمية وبرامج التطوير الضخمة التي طالت الصناعة وشؤون الفضاء والتعليم والاهتمام الفاعل بقضايا البيئة والطاقة البديلة والصناعات التكنولوجية وثورة الذكاء الاصطناعي والمعرفة.
وعليه فليس من المقبول أن تبقى هذه الدول في ذيل القائمة أو في أطراف النظام وهي التي أصبحت تنافس في جداول الصناعات والأمن وأفضل الجامعات وفي مستوى الاستقرار والتطور وقوانين الحوكمة والشفافية ومعدلات النمو الكبيرة.
انعكس كل هذا بطبيعة الحال على الحالة الثقافية، التي هي انعكاس لمنظومات التعليم أولاً، واستراتيجيات الحكومات واهتمامها بالثقافة وبتطور صناعات الإعلام والنشر والكتاب، إضافة للكثير من الجوائز التي قاربت مستوى العالمية في قيمتها المادية، وآليات التحكيم فيها، وعليه فإنه من الطبيعي أن يحدث التغيير الذي حدث في السنوات الأخيرة.
فيما يخص اندفاع الشباب للتعرف وقراءة نتاجات الكتّاب في دول الخليج، وأخص هنا ظاهرة طوابير الشباب الذين يقفون بانتظار شراء كتب هؤلاء الكتّاب، في دول كمصر ودول المغرب العربي!
هناك تفسيرات كثيرة لهذه الظاهرة، إضافة لما تقدم، تخص المراهقين العرب الذين رأيتهم يقفون ساعات طويلة تحت الشمس، وقد أتوا من مدن بعيدة، بانتظار الحصول على توقيع كاتب بعينه والتقاط صورة بصحبته للتباهي بها على صفحات الفيسبوك أو الإنستغرام!
لقد رأيت هذا المشهد في معرض الرباط للكتاب، وفي معرض القاهرة الدولي وتابعته في تونس ودول أخرى، ونحن هنا نتحدث عن كاتب يأتي من دولة لم تكن تقليدياً من دول الثقافة المعترف بها عربياً، لكن علينا اليوم أن نعترف بأن كل المعادلات أعيدت صياغتها وترتيبها بما يتفق مع ما يحدث في عمق تفاعلات النظام العربي!