طالب صغير في مدرسة مغربية زرتها بالأمس سألني: هل تكتبين لتفهمي نفسك أم ليفهمك الآخرون؟
سؤال وجدته صعباً وعميقاً وفلسفياً وأكبر من قدرات ذهن طالب غض وصغير في المرحلة الثانوية، لكنني وجدت موجه الطلاب وأحد أساتذتهم البارزين والمؤثرين هو الأستاذ محسن الوكيلي أحد مشاهير السرد المغربي والعربي الراهن وأحد الفائزين بجوائز قيمة ومرموقة في الإمارات، وهذا لا يقود إلا لنتيجة منطقية واحدة هي مدى تأثير المعلم في طلابه وفي بيئة المدرسة عموماً وفي توجهاتها الثقافية والأدبية.
سؤال التأثير والتأثر وانعكاس النص على مدى اتساع وعي الكاتب وفهمه لنفسه وللعالم حوله، عبر النص السردي، يمكن النظر إليه من زاويتين متداخلتين لا يمكن فصلهما بسهولة، فهل نكتب لنفهم أنفسنا، باعتبار الكتابة، في أصلها، شبيهة بمرآة لا تعكس وجوهنا بل دواخلنا.
فالإنسان حين يكتب، كأنه يمسك بخيط يمشي به داخل متاهته الداخلية. ولهذا كثير من الكتّاب يقولون إنهم لا يعرفون حقيقة ما يريدون قوله إلا بعد أن يكتبوه.
أما الزاوية الثانية أو المقابلة فتتمثل في مدى دقة الفرضية التي تقول بأن الكتاب يكتبون ليفهمهم الآخرون؛ لأن الكتابة، مهما بدت حميمية، تحمل رغبة خفية في أن يكون هناك شاهد علينا، وأن نكون مرئيين ومقدرين ومحتفى بهم مثل نجوم الكرة ومشاهير السينما والسياسة، نحن في الحقيقة نكتب لأننا نريد أن نضع أثراً، أو نرسل إشارة في الظلام لنقول: «مررنا من هنا، وشعرتُ بما شعرت وأريدكم أن تشاركوني هذه التجربة»!
نكتب لأن المعنى يكتمل حين يسكن ذهنَ قارئ آخر، لذلك قال سارتر إن الكاتب هو من يطلب من القارئ أن يجعله موجوداً.
نحن أيضاً نكتب لأن الكتابة نفسها تخلق الذات وتخلق الآخر. فنحن حين نكتب نصنع نسخة منا أكثر وضوحاً، ونصنع قارئاً قد لا نعرفه، لكننا نعرف أنه سيكون هناك يوماً ما.
نحن إذاً يا بني الصغير، نكتب لأننا نريد أن نمد جسراً من عندنا يصل إليكم، ونكتب لأن الصمت على ما في دواخلنا أمر لا يمكننا احتماله، لأن الصمت لا يقولنا ولا يقدمنا لأحد ولا يكشف دواخلنا، مثل الكلام تماماً، إنه لا يقول كل شيء، فكل وسيلة تعبير تحمل شيئاً من القصور حتى تأتي الكتابة فتكمل كل هذه الوسائل التعبيرية.