هل يعلم هؤلاء الذين يقومون بدور تجييش المشاعر والتلاعب بعقول الجمهور ضد شخص بعينه، سواء كان كاتباً أو مفكراً أو صاحب رأي أو أياً كان، هل يعلمون على وجه الدقة ماذا يفعلون؟ وحجم الجرم الذي يرتكبونه؟

وإلى أين يقود تجييشهم وتحريضهم جموع الجماهير في نهاية الأمر؟ هل يدركون خطورة سلوكهم الذي يتصورونه هادفاً وبريئاً ويحارب السلبيات والانحرافات، وأنه لا يهدف إلا إلى مصلحة المجتمع وخلاصه؟

يلخص غوستاف لوبون طريقة تفكير الجماعة فيقول: «يسود الجماعة شعور قوي وحاد، فهي سريعة التأثر، متحمسة، قابلة للهيجان والعنف، وتنتقل فيها المشاعر كالعدوى».

وهذا ما حصل بالفعل، فقد أدى تجييش هؤلاء إلى أفعال وحشية، وإلى جرائم قتل أحياناً، اندفعت لارتكابها الجماهير بفعل الضغط العصبي الذي يمارَس عليهم من جانب بعض موجّهي وقادة الرأي من الإعلاميين والصحفيين والمتدينين والسياسيين وغيرهم!

نذكر جميعاً أنه في نهاية سنوات الثمانينيات ظهرت مجموعة من مشاهير المنابر والميكروفونات، الذين انتشرت خطبهم وصراخهم عبر أشرطة الكاسيت التي ملأت جهات الوطن العربي، فلا يخلو بيت أو قرية نائية أو مدينة من أصوات أولئك وهم يصرخون شاتمين متنمرين ومكفرين كل من يختلف معهم أو لا ينتمي لمشروعهم من أهل الفكر والرأي والسياسة، فكانت تلك الخطب مشروعاً استعدائياً متكاملاً لتجييش الجماهير العربية ضد الكثيرين ممن دفعوا حياتهم وحرياتهم ثمناً لذلك الاستعداء الأحمق!

كانت تلك الخطب الرنانة وأشرطة الكاسيت مشروعاً ظلامياً حقيقياً يخاطب جمهوراً مفتوناً بالصراخ وغلبة العاطفة التي وظفت النص الديني على طريقة «كلمة حق أريد بها باطل»، وكان قطاع كبير من تلك الجماهير مستعداً لقبول ذلك الخطاب والانسياق وراء تعليماته، ذلك أن الجماهير، بحسب غوستاف لوبون، لا تتأثر بالمنطق أو الأدلة، بل بالعواطف والشعارات المؤثرة وبالرموز.

ولو تتبعنا ماذا كانت نتيجة ذلك الخطاب التحريضي، لعلمنا حجم الكارثة التي أنتجها وما زلنا نعاني ثمارها المرة، فالعقل الجمعي لا يفكر بعقلانية، بل يتأثر بالعواطف والانفعالات أكثر من المنطق، لذلك ينحدر إلى مستوى بدائي وغريزي، فيهاجم ويشتم، وقد يرتكب الكثير من الجرائم، بحسب ما ذكره لوبون في «سيكولوجية الجماهير».