يقال «إن الأشياء التي تملكها، تملكك في النهاية». وهي عبارة عميقة تُنسب عادة إلى فلاسفة وكتاب مختلفين، وقد وردت على لسان أحد أبطال الفيلم الأمريكي (نادي القتال) المبني على رواية بنفس الاسم للكاتب الاميركي تشاك بولانيك، فهو صاحب المقولة أو الفكرة.
والفكرة تقوم على أن الإنسان، أي إنسان، حين يكثر امتلاكه للأشياء المادية- كالبيت، السيارة، المقتنيات الترفيهية والاستهلاكية المتزايدة بلا ضرورة، الهواتف، الأسماء التجارية الباهظة من الملابس وغيرها، وحتى تلك الصورة المتعالية والمضخمة عن نفسه — يبدأ تدريجياً في فقدان حريته أمامها، يصبح لها الكلمة الأولى واليد الطولى عليه، على تصرفاته، كلماته، علاقاته، صورته في المجتمع وعلى وسائل التواصل.. إنه يجتهد بكل طاقته ليتفق هذا الظهور مع تلك الممتلكات.. وهكذا!
كلنا يريد، يرغب، يحلم، يتمنى الحصول، يسعى للكثير من الاحتياجات والرغبات والمقتنيات، لأنه يجدها عند أصدقائه، في محيطه، تظهر له في كل لحظة ومكان من خلال السوشال ميديا وإعلانات التلفزيون ولوحات الشوارع الضخمة والمضاءة، كلنا يقع تحت ضغط الرغبة في أن يحظى بما يرى وما يتلألأ أمامه، وما يمتلكه ويتداوله الناس في محيطه، في البداية يتمكن من امتلاكها، لأنها تُريحه أو تُمكّنه من الإحساس بأنه ليس بأقل ولا بالمحروم!
لكن مع الوقت يصبح هو خادماً لها: فيجتهد ليحافظ عليها، يخاف أن يخسرها، يقيس قيمته بوجودها، ويقضي وقته في العمل لأجل إبقائها، يهندس حياته قياساً عليها، تصير أمراً حاضراً في ذهنه، أكثر حتى من أبنائه، لأنها تكلفه الكثير وتعني له أكثر مما نتصور!
تصير الأشياء عبئاً مادياً ثم تتجاوز إلى أن تتحول عبئاً روحياً لا مجرد ممتلكات، وأشياء.
تستولي على مساحة من وقته واهتماماته ومكانه وأحاديثه ونشاطه، ثم تحتل روحه، وتحدد له ما يمكنه وما لا يمكنه فعله.
في النهاية بدل أن تكون أدوات للحياة، تصبح هي الحياة نفسها، وبينما كان أكثر خفة وراحة فيما سبق، يصبح أكثر ثقلاً وانشغالاً فيما بعد!