بمناسبة الحديث عن دور مصر التاريخي في غزة لعقود طويلة، ودورها المحوري في إدارة ملف الرهائن ومفاوضات السلام الرامية لنزع فتيل الحرب المشتعلة، فإن هناك سؤالاً فضولياً يتبادر للجميع حول المكان الذي كانت حماس تخفي فيه الرهائن الإسرائيليين؟ وهل هناك رهائن على قيد الحياة غير الذين تم تسليمهم؟ هذا أولاً.

أما ثانياً، فالأمر يتعلق باعتبار معبر رفح، الذي هو شريان غزة الوحيد نحو العالم، ومصر هي الطرف الثاني المتحكم فيه، وكان من الممكن أن تطالها نيران تلك الحرب، إلا أن كل هذه المخاطر لم تغيّر موقف مصر والتزامها تجاه المرضى والمصابين والأسرى المحررين الذين توافدوا ولا يزالون على القاهرة.

لقد تحملت مصر عبئاً إنسانياً كبيراً، وسط ظروف معقدة وضغوط دولية ونبرة اتهامية متعالية من جانب بعض الأطراف العربية، البعيدة تماماً عن أي ضغط أو مسؤولية، تلك الأطراف، التي كانت تطالب مصر بفتح معبر رفح، وترك الأمور تذهب بالجميع للهاوية وسط جنون آلة الحرب الإسرائيلية!

لقد استطاعت القاهرة، عندما تراجعت أطراف كثيرة، أن تحافظ على موقعها كـ«قناة توازن» بين القوى الكبرى والفاعلين الإقليميين، فهي تتحدث مع إسرائيل، وتنسّق مع الولايات المتحدة، وتستمع لحماس والسلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تضع خطوطاً حمراء ولاءات حاسمة في وجه إسرائيل والولايات المتحدة، منعت بها انزلاق الصراع إلى كارثة أوسع، وحفظت بها الحقوق المصيرية المشروعة للفلسطينيين، في مراحل من الحرب كان تهجيرهم من غزة مسألة وقت!

صحيح أن الحرب كانت تهديداً يومياً للفلسطينيين، لكنها أيضاً كانت إنذاراً مباشراً بانفجار المنطقة كلها، ومصر تدرك أن أمن غزة جزء من أمن سيناء، وأمن سيناء جزء من أمن مصر والمنطقة العربية كلها، لذلك فإن عملها على التهدئة وحماية المدنيين، لم يكن عملاً دبلوماسياً فقط، بل وسياسياً عقلانياً حكيماً لم يكن يقدر عليه سوى القاهرة فقط.

لذلك فهي لم تحظَ بلقب بيت العرب وعاصمة قرارهم من فراغ، ولكن لأن موقفها ظل دائماً يرفع نبرة إنسانية واضحة لصالح الحقوق الفلسطينية والتمسك بالأرض، مجسداً فكرة العروبة في بعدها العملي كمسؤولية، ومرسخاً الكثير من الروح الأخلاقية للسياسة العربية، التي أنهكتها تباينات المواقف.