في علم النفس السلوكي لدى الشعوب والجماعات والأفراد كذلك يعتبر السلوك المبالغ في حدته، أو ردات الفعل العنيفة التي تمارسها جماعة أو شعب ضد آخر، كحروب الإبادة، والاستعباد، ومحاولات الاجتثاث والتطهير العرقي وإبادة الآخر.. إلى آخر ذلك، تعبيراً صريحاً عن نظرة الاستعلاء والفوقية أولاً، وإظهار التفوق وفرض القوة والسيطرة، وفي جانب منها تعبر هذه السلوكيات الوحشية عما يسمى بنظرية التعويض، حيث إن الشخص الذي تعرض للاضطهاد في السابق، وعانى من الشعور بالدونية قد يسعى إلى التعويض المفرط عن ذلك عن طريق قمع الآخرين والتسلط عليهم، وليس شرطاً أن يكون هذا التسلط أو العنف موجهاً للطرف نفسه أو الشعب نفسه، تماماً كما يحدث اليوم أمام أعيننا، وبشكل مبالغ في وحشيته ودمويته.
عقد التاريخ كعقد التربية والطفولة، تستقر في وجدان الفرد والأمم كوصمة لا يمكن محو آثارها بسهولة، فإذا لم يتعافَ منها الشخص بشكل صحي، أو تتخلص منها الأمم بشكل آمن، وبشكل واعٍ إنْ بالتربية أو بمرور الزمن والتصالح مع ما حصل، فإن هذا التاريخ سيظهر في أي لحظة ليشكل دافعاً لممارسات في منتهى الدموية والبشاعة، وهذا ما يمكن أن يوصف بتحول الضحية إلى صورة أخرى لمجرم جديد في سياق تاريخي معين!
عالم النفس الشهير فرويد يفسر هذا السلوك عبر نظرية أو آلية تقمّص شخصية المعتدي، وهي آلية دفاعية نفسية تجعل الإنسان يتبنّى سلوكيات ومعتقدات من كانوا يضطهدونه سابقاً، وكأنه يتحول مع الوقت إلى صورة مطابقة لجلاده ليشعر بنفس شعور التفوق والقوة التي كان يتميز بها الجلاد وهو في قمة تفوقه وممارساته البشعة. إن الضحية وهو يتقمص دور جلاده يحاول بكل ما يستطيع أن لا يظهر أي ضعف أو تردد أو تعاطف مع الضحية، لأن ذلك يفقده كثيراً من شعور الانتقام والتفوق الخالص!
أما في علم الاجتماع السياسي فيسمى هذا السلوك بـ«إعادة إنتاج القمع»، حيث إن الجماعات التي تتعرض للاضطهاد تميل أحياناً إلى ممارسة نفس أنماط القمع ضد الأضعف منها عندما تمتلك القوة والسلطة والنفوذ.