يتوجس الكثير من المواطنين خيفة من أي تغييرات قد تطرأ على مدنهم وأحيائهم بسبب بعض تيارات الاستثمار والتغيير والتطوير. والحقيقة فإن كثيراً من عواصمنا العربية القديمة والعريقة، تمتاز بطابع وشخصية يميزانها عن غيرها من مدن العالم، من حيث الأحداث التي شهدتها وعلاقة الإنسان بها، لذلك يخافون من فقدان أي ملمح فيها كأنهم سيفقدون ذاكرتهم تماماً!
تشكل تحولات المدينة، وعلاقة أهلها بها تاريخاً موازياً للتاريخ نفسه، فالمقاهي والشوارع والميادين والتماثيل المنتصبة لرموز سياسية وأدبية وفنية، إضافة للأزقة، والأسواق التقليدية، والمساجد والكنائس.. كل هذه البنى العمرانية التي يمكن أن نجد ما يشبهها في كل مدن العالم، تكتسب أهميتها وخصوصيتها من دورها الذي لعبته في الأحداث التي بدلت وغيرت حياة المدينة وحياة أهلها.
فشارع المعز في القاهرة التاريخية مثلاً يرتبط بحقبة من تاريخ مصر، وقلعة محمد علي لها ذكرى لا ينساها المصريون، ومقهى ريش وشارع طلعت حرب رجل الاقتصاد العظيم، وميدان التحرير ودوره في الأحداث الأخيرة، ومقهى زهرة البستان أحد أشهر مقاهي المثقفين والأدباء في الستينات والسبعينات.
هذه الأمكنة وغيرها، ذات الدلالات والأثر، جعلت من وسط القاهرة بكل تفاصيله شخصية مرجعية في الذاكرة والوجدان العام للقاهريين ولضيوف وزوار وعشاق القاهرة، ارتبطوا بها وكتبوا جزءاً من شبابهم وذاكرتهم وأحلامهم على طاولات مقاهيها ومكتباتها، هؤلاء يصعب عليهم تصور أن يفقد وسط القاهرة شيئاً من هذا الإرث والذاكرة، إلا أن للزمن سطوته، لكن لماذا يجب أن نفقد شخصية وهوية المكان مقابل التطوير والتحسين؟
لماذا لا نطور في ظل شخصية المكان الموجودة، ودون أن نهدم أو نلغي شيئاً، كما حدث للندن وباريس وبرلين وفيينا و... وكثير من عواصم أوروبا العريقة التي طالتها قنابل هتلر ولم تبقِ في بعضها حجراً على حجر!
عندما بدأ مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا، حافظوا على روح المدن ومعمارها دون أن يحدثوا عمراناً شاذاً أو غريباً، فبقيت روح المدن كما كانت.. بكنائسها وعمرانها ومبانيها.. المدينة أخت الزمن نشأت فيه وسارت معه جنباً إلى جنب إذا غيرنا ملامحها فكأنما سلخنا زمناً من تاريخها لن يعود أبداً.