أنا شخص أنتمي لثقافة السبعينيات، الثقافة بمعنى الاهتمامات، القيم، تفضيلات الطعام، الميل المبالغ فيه نحو الاهتمام بالتفاصيل والاحترافية، التفكير بمنطق مثالي مرهق (حتماً) والإخلاص لأنماط السلوك والتربية التي تلقيناها في بيوتنا في تلك السنوات البسيطة التي كانت مهمة التربية والتوجيه وتلقين القيم والأخلاقيات محصورة في الأسرة تحديداً، وحين اتسعت بتحفظ شملت المعلم (المطوع سابقاً)!
هذا النمط من التربية والتلقي والعلاقات الاجتماعية والعائلية، خلق منا أشخاصاً متجذرين في كل شيء، في بيئتنا وهويتنا وتمسكنا بعلاقات العائلة والأصدقاء ومنظومة القيم والعادات.
وكذلك السلوكيات، التي بطبيعتها مرنة وقابلة للتغير والتبدل بحسب تغير الظروف والزمان ووضع الإنسان وإمكانياته وما يطرأ عليه، مع ذلك فهناك أشخاص ينتقون تصرفات وسلوكيات معينة يحبون الحفاظ عليها واستمرارها وكأن ذلك يرمز لاستمرارهم في الحياة أو لأنه يرتبط بزمن أحبوه أو أشخاص وأمكنة لا يزالون أوفياء لها!
وفي الحقيقة فليس لدي تفسير علمي أو أنثروبولوجي للأمر، لكن ليس دقيقاً تلك المقولة التي تنص على أن تبدل الأجيال يمحو العادات والتقاليد، لأن هذه ليست مرتبطة بأفراد معينين، بل إرث وهوية أمة بأكملها، لذلك نجد جماعات وعلماء ومؤسسات وقوانين تجتهد دائماً للعناية بذلك الإرث وإبقاء تلك التقاليد حية.
كما تفعل منظمة اليونسكو مثلاً بإعلان مدن وقرى وأمكنة تاريخيّة باعتبارها إرثاً عالمياً تحت وصاية عالمية لا يجوز المساس بها، والأمر ينطبق على الموسيقى والأدب والثقافة الشفاهية والملابس والصناعات التقليدية...
عن نفسي وكسلوك شخصي ربما يظهر للبعض قديماً أو كما نقول في الدارجة الإماراتية (مال أول) أستمتع بالعودة للكاسيتات وتحديداً لأغنيات فيروز والاستماع إليها كما كنت في سنوات التسعينيات. وأعترف بأنني أتخلص من الأشياء بعد مرور عام على عدم استخدامها فأنا لا أحب تكديس الكراكيب بحجة أنها جزء من الذاكرة، لكنني لم أستطع أن أتخلص من كاسيتات فيروز.. قلبي لم يطاوعني على ذلك لأنها ذاكرة حقيقية وليست كراكيب!