أتأمل الذين يبحثون بدأب عن فرصة عمل مناسبة بمجرد أن ينهوا تعليمهم الجامعي، فإذا مر الوقت ولم يحظوا بتلك الفرصة أحسوا بالمرارة ويستولي عليهم الغضب، لأنهم ينظرون للعمل باعتباره مرحلة طبيعية تمثل استمرار حياتهم بشكل طبيعي، فالجميع يتعلمون ويحصلون على المؤهلات اللازمة للانخراط في الوظائف والمهن التي تحقق أحلامهم وتؤمن عيشاً كريماً لهم ولأسرهم، من هنا يأتي الشعور بالإحباط، حيث يمثل العمل قيمة قصوى فهو المعادل الموضوعي للنجاح والاستمرار والتحقق!

وأنظر إلى هؤلاء الأشخاص الذين وصلوا للعمر الذي ما عادوا يحتملون متطلبات وضغوط العمل فيبدؤون في التفكير بالتقاعد والركون للراحة، أو التفرغ لتحقيق أمور أخرى لم تترك لهم الوظيفة فرصة تحقيقها، لكن كثيرين من هؤلاء ينتابهم شيء من الحزن أو الكآبة لوصولهم مرحلة التقاعد، فظهر ما يمكن تسميته باكتئاب التقاعد أو متلازمة التقاعد!

فما هو جذر هذه الظاهرة؟ ولماذا الإحساس بالاكتئاب؟ بسبب فقدان الدور الذي يمنحه أو يخلقه العمل أو الوظيفة لصاحبها ولسنوات طويلة، فهو في كل يوم يصحو فيه يعلم أنه موظف، له مقر عمل، ووظيفة محددة، ومواعيد عمل، وزملاء، وجدول يومي وأسبوعي مبرمج سلفاً، وهو في كل هذا له دور يقوم به، لا يتم العمل إلا به أو بتوقيعه وحضوره. هذا الإحساس بالدور والقيمة والأهمية مهم جداً لكل إنسان، وهذا هو أول ما يفقده الموظف بمجرد أن يتم التوقيع على أوراق تقاعده.

فإذا لم تستعد جيداً، وتخطط لأيامك ما بعد الوظيفة، فإنك في أول يوم تقاعد، ستصحو بلا جدول يضبط إيقاع وقتك الطويل، وسيبدو حضورك في أي مكان مهم لا يساوي حضورك لاجتماع الصباح في المؤسسة، وفنجان القهوة أو كوب (الكرك) مع زملائك لا يشبه كوب الكابتشينو في أي مقهى من مقاهي مول دبي. إن الحاجة للدور والقيمة لا تقل أهمية عن الحاجة للأمان والتقدير بالنسبة للإنسان، لذلك لنخطط جيداً، ولنترفق بكل متقاعد في يوم تقاعده الأول.. فهو ليس كأي يوم.