لكل مهنة مسؤولياتها ومتاعبها، والأهم خطوطها الدقيقة التي على المنتمين لها أن يعرفوا كيف يتجنبون تخطيها أو المساس بها، وربما كانت مهنة الصحافة أو الإعلام واحدة من هذه المهن الشديدة الحساسية والخطورة بسبب هذه الخطوط غير المرئية؛ لذلك يتناقل الجميع عبارة «الصحافة مهنة المتاعب»، كتوصيف دقيق جداً، لكن دون أن يعلموا التفاصيل الحقيقية لهذا الوصف، وما إذا كان المقصود بالمتاعب الجهد والمشقة في البحث عن الخبر والحقيقة، أم ما يتسبب فيه نشر الخبر والحقيقة من متاعب تصيب الصحفي والصحيفة بشكل عام؛ باعتبار أن الحقيقة غاية قصوى ليس من السهل الوصول إليها أو البوح بها وتعميمها، فقد يتسبب هذا في الكثير مما لا تحمد عقباه.

وأظن أن معظم من تملكه شغف وحب الصحافة من صحفيين ومراسلين وكتاب، قد عرف ذلك وخاض تجاربه بشكل عملي لا مجرد تنظير وكلمات جوفاء، فتعرض للكثير من المضايقات بسبب معلومات نشرها وآراء صريحة كتبها، ووجهات نظر جاهر بها !

وفي موضوع المخاطر، فإن التمييز بين النساء والرجال يظهر بقوة في العمل الميداني الصحفي، ليس كموقف مضاد من النساء، ولكن احتراماً لطبيعة المرأة، ففي سنوات ما قبل الألفية الثالثة كان وجود النساء في إدارات الصحف في دولة الإمارات مثلاً، وكذلك في طواقم التحرير، نادراً أو معدوماً، أما وجودهن في المناوبات المسائية فأمر مرفوض اجتماعياً، وأما مشاركتهن الميدانية في الأماكن الساخنة والخطرة فكانت غير واردة تماماً، كمناطق الحروب، والثورات، والتظاهرات العنيفة والكوارث الطبيعية، أو الجرائم، والعمليات الإرهابية.

مع كل ذلك، فهناك الكثير من الأسرار والقصص والحكايات التي يرويها الصحفيون والتي تموج بها أروقة الصحافة والكتب التي ألفت حولها، عاشها الصحفيون وعانوا منها وأفرزت متاعب كثيرة لهم، وصلت حد تعريض حياتهم للخطر وأحيانا للموت في الأماكن الخطرة، كأماكن الحروب مثلاً، إضافة لأولئك الذين يدفعهم الفضول لمواجهة مخاطر غير محسوبة لكنهم لا يتخلون عن مهنتهم أبداً.

لنتخيل الآن كم يبدو الشغف المسيطر على الصحفيين قوياً، والانتماء للمهنة والحقيقة عظيماً، كي يحتمل هؤلاء كل ما يتعرضون له ويبقون مصرين على أداء واجبهم؟