يبدو الأمر غير منطقي للبعض حين تشرح له منطق إدمان الناس على مواقع التواصل، خاصة أولئك الذين يصدقون فعلاً أنها مواقع تواصل وليس انفصالاً عن النفس والواقع!

إن فكرة الإدمان هذه تتلخص كما ذكرنا في انتظار احتمال حدوث شيء معين (قد يحدث وقد لا يحدث) ومع ذلك فنحن في كل مرة نلقي نظرة على هاتفنا نعيش قلق الاحتمال هذا، لكن مع كل إشراقة شمس، لا يسعنا إلا أن نصدق شئنا أم أبينا أننا مدمنون فعلاً، وأن هذا الإدمان حقيقي وفيزيائي ومرتبط بإفراز هرمونات خاصة، وليس مجرد أوهام وتهيؤات، فبينما ترتطم أيدينا بالتفاصيل الكثيرة على الطاولة التي بجانب السرير لتصل إلى الهاتف بمجرد أن تصحو، يكون دماغنا قد انتهى فعلاً من صنع شحنة عالية من الترقّب وانتظار تلك المتعة المحتملة بوجود إعجاب بمنشور تركناه في الليل أو صورة أو تعليق.

البعض يرفع سقف توقع المتعة لديه فيتمنى أشخاصاً بعينهم أن يكونوا قد طالعوا منشوره وسجلوا إعجابهم به أو ملاحظاتهم عليه، وفي كل ذلك يعيش الجميع على أمل حدوث (الاحتمال) وليس حدوث المؤكد، كلعبة القمار تماماً، يدخلها المقامر في كل مرة تحت تأثير (احتمال) الربح وتعويض خسارة الأمس دون تأكد من شيء! وكما تنطفئ المتعة بمجرد الحصول عليها، يعاود المقامر اللعبة ونعاود نحن انتظار إعجابات أخرى..!

كيف يحدث الأمر عصبياً؟ يقول علماء التشريح إن دماغ الإنسان يتعلم أن الضغط على الهاتف أو فتح تطبيق الفيسبوك أو الإنستغرام مثلاً قد ينتج المكافأة التي تنتظرها، زيادة متابعيك أو التعليق على منشوراتك، لكن هذه المكافأة قد لا تحدث دائماً، وقد لا تحدث أبداً، وهناك احتمال أن تحدث وبشكل لا تتوقعه، هنا تكمن الاستثارة، إنك تدخل يديك في صندوق لا تدري ما الذي يمكن أن تخرجه منه، ومنطق الاحتمالات هذا أو اللاحتمية يجعل النظام العصبي في حالة بحث وترقب واستثارة دائمة، مثلما يحدث في المقامرة تماماً، وهو ما يجعل الناس مرتبطين بهواتفهم لا يفارقونها ولا يهتمون بما حولهم بسببها!