بعيون نصف مفتوحة، وذهن لم يغادر أرض النوم كلية، نصحو لأن الساعة البيولوجية التي تعمل بانضباط مثير للدهشة داخل أجسادنا قد قررت ذلك، وما إن نبدأ في مقاربة عالم اليقظة، حتى تبدأ أيدينا تزحف عبر الفراش تجوس هنا وهناك بلا وعي، باحثة عن أول ما يخطر ببالنا في تلك اللحظة، وبشكل ميكانيكي بحت ومعتاد، إننا نبحث عن الهاتف النقال، الموبايل! هذا أول ما يفعله معظم البشر الذين يملكون أجهزة هواتف نقالة كل صباح بمجرد أن يكونوا في منتصف المسافة بين النوم واليقظة!

لماذا انتبهت أذهاننا وحواسنا للهاتف تحديداً؟ يبدو هذا سؤالاً ضرورياً وبديهياً، وبالتأكيد فكلنا سألناه أنفسنا، فعن ماذا نبحث في الهاتف؟ ما الذي خطر لنا في تلك اللحظة وبهذه السرعة؟

في الحقيقة نحن لا نبحث عن الهاتف طلباً لمتعة مؤكدة، كالتأكد من أن المكالمة المهمة التي ننتظرها لم تفتنا! والجائزة التي قيمتها مليون دولار في طريقها إلينا، أو الوظيفة المرموقة لم تذهب لغيرنا، نحن في الحقيقة نبحث عن (احتمالية) متعة، أو ربما نحظى بمتعة غامضة قد لا تأتي أبداً، تتمثل في تفاعل أو إعجاب أو رسالة وردت لنا من معجب أو جمهور نتلهف له ولتفاعله، هذا بالضبط ما يشبه لعبة آلات القمار، حسب ما يقول علماء النفس!

فالمقامر لا يعرف متى سيربح، أو إن كان سيربح أصلاً، لكن الاحتمال وحده يكفي لإبقائه متيقظاً وراغباً في الاستمرار والمعاودة، وكما يخسر لاعب القمار أمواله دائماً ويستمر دائماً، فإن الخسارة الحقيقية لمدمن مواقع التواصل ليست في خسارة الوقت فقط، بل في تشتيت التركيز وسرقة المساحات الذهنية التي كانت تُملأ بالقراءة والانشغالات الخلاقة والإبداع والتواصل مع الأهل والأصدقاء، والتي سرقت لصالح ماكينة قمار تدعى الموبايل!

مع هذه الآلة شديدة التغلغل في عقولنا طوال الوقت، يبقى الجميع طيلة الوقت مشدودين لها وفي حالة انتظار، وتقليب وبحث! لكن عن ماذا؟ في الحقيقة، الجميع ينتظرون اللاشيء، وهذا اللاشيء ينتصر على الجميع ببطء، ويأكل من أرواحهم وأوقاتهم وأعمارهم وصلتهم بالواقع وعلى جرعات صغيرة وغير محسوسة.