في الستينيات من القرن العشرين وما تلتها من سنوات متألقة على جميع المستويات، وتحديداً الاقتصادية، كانت أوروبا تعيش حقبة ذهبية بالفعل: فإذا عدت لمشاهدة صور ومقاطع مصورة لتلك السنوات ستجد نفسك وكأنك تتحرك في حلم، الصور التي يلتقطها السياح للشوارع والميادين العامة وخاصة في الصيف كانت تشكل دعاية وإغراء للجميع وحلماً يسعى القادرون إلى أن يحظوا بفرصة التواجد فيه، كانت مدن وعواصم أوروبا جنة حقيقية، مناخات لطيفة باردة ومعتدلة، أنهاراً جارية طوال العام ومساحات لا تنتهي من الخضرة النضرة، وجبالاً مكللة بالثلج حتى في عز الصيف، أين هي أوروبا التي نعم الكثيرون بمناخاتها في تلك السنوات وحتى نهاية التسعينيات؟

تقلب اليوم نشرات وجداول الطقس فإذا باريس وفيينا وألمانيا ومدريد و... تتجاوز درجات الحرارة فيها الـ30 درجة في النهار، أين ذهبت الـ8 والـ10 درجات؟ أين هي الثلوج التي كنا نمر بها في طريقنا لأعالي الجبال؟ اختفى كل ذلك أصبح الطقس لا يطاق وصار الكثيرون يبحثون عن وجهات أخرى للسياحة الصيفية، روسيا ودول شرق أوروبا ودول جنوب الكرة الأرضية كجنوب أفريقيا وأستراليا!

لا شك أن أوروبا لم تفك سحرها الرومانسي تماماً، إنها هي تلك التي كنا نتغزل بها في البطاقات البريدية القديمة: شوارع مرصوفة بالحجارة الجبلية، مقاهٍ صغيرة تفوح منها رائحة البن وخبز الكرواسون، سقوف حمراء لامعة تحت سماوات ماطرة بشكل رقيق، أما النسيم فكان يمر على وجوه المارة كيدٍ تربت عليها بحنان، والضوء يتسلّل عبر الغيوم ببطء، كأنه يخشى أن يوقظ طفلاً نائماً، لكن ذلك قد يكون في قرى الجبال الشاهقة ولأيام معدودة فقط، لم يعد ذلك من علامات أوروبا المميزة، أما العواصم فحدث ولا حرج، زحام وقذارات وأزمات ومشردون وسرقات!

التغير المناخي الذي عبث بكيمياء المدن، فتبدّل المزاج العام للطقس والسكان والسائحين، ثم تراكمت الأزمات السياسية والضغوط الاقتصادية، وموجات الهجرة، وتحديات العمل فغيرت ملامح الحياة اليومية، وأصبحت المدن التي كانت تعيش على إيقاع بطيء رومانسي مستريح، مدناً صاخبة كل شيء فيها يتسارع، والأهم أن يد العنف والإرهاب شوهت بدورها كل شيء وزرعت الخوف والنفور من أوروبا.. فسبحانه مغير الأحوال!