هل الإنسان دون غيره من الكائنات من تتعدد مخاوفه حتى تتجاوز أي مرض وأي هاجس؟ مخاوف الكائنات الأخرى معروفة ومحدودة ومرتبطة غالباً بالحياة والموت.

فالحيوان يخاف من حيوان آخر قد يفترسه ليتغذى عليه، وهو هنا يخاف الموت، ويخاف ألا يحصل على طعام وأن يصير طعاماً لغيره، هكذا يدور الخوف في فلك الحياة، ومع ذلك لم يوفر الخوف لأي حيوان أماناً من الموت، أو حاجزاً بينه وبين أي وحش كاسر أو متوحش!

لقد ثبت بالتجربة الإنسانية والحيوانية عبر ملايين السنين أن ما يحمي الحياة هو الخوف أيضاً، هو الركض بعيداً عن مناطق الموت والحظر، هو الاختباء، هو التحايل على الطبيعة، لكن الخوف وحده كفعل مجرد فقط لم يوفر الحماية لمخلوق، أن تكون خائفاً وكفى، يعني أن تموت قبل الأوان، أن يمنعك الخوف من المواجهة، أن يشل تفكيرك، أن تصير جباناً وتموت في مكانك!

لقد اخترع الإنسان بدل الخوف مخاوف، نوّعها وتلاعب بها، ولوّنها وأطلق عليها تسميات وأوصافاً، وجعل له دراسات وعيادات وأطباء وأدوية، لكنه لم يتخلص منه، صار يخاف من الظلام، والأماكن المرتفعة والضيقة والمغلقة، والفضاءات الواسعة، والطيران، والحشرات، والماء، والسباحة، و.. ما الذي لم يتحول لفوبيا ووسواس قهري يجعل الشخص يموت حقيقة قبل أن يموت!

هذا ليس سخرية من هذه المخاوف، بل على العكس، أنا أعلم مقدار سطوتها وخطورتها، لكن المواجهة هي الحل وليس الخوف والوقوف عنده فقط.

أعترف بأنني زرت طبيباً نفسياً لمساعدتي في التخلص من بعض المخاوف التي تسيطر عليّ دون إرادتي ودون أن أتمكن من التحكم فيها بمجهوداتي واجتهاداتي، كالخوف من قيادة السيارة في الفضاءات المفتوحة الواسعة بعد موقف صعب تعرضت له منذ سنوات عدة وأنا أقود سيارتي على طريق الـ«هاي واي» بين النمسا وسويسرا، ولقد نجحت الطبيبة في وضعي على طريق الخلاص.

وأعترف بأن الجلسات مع الطبيب قد أثمرت فعلاً، لكنني أعترف بأنني -كعادتي- لم أواصل ولم أستمر، لكنني على الأقل حاولت!