سنوات طويلة مضت منذ بدأ الكثيرون يتحدثون عن غربة أطفالنا عن لغتهم العربية، بسبب إصرار مناهج التربية والتعليم على تقديم الإنجليزية على العربية وزيادة حصصها في المنهاج، وإصرار قطاعات كثيرة في المجتمع على اعتبار الإنجليزية معياراً رئيساً للقبول في أية وظيفة، وجعلها لغة المنتديات والمؤتمرات والمخاطبات الرسمية في مؤسسات العمل، وخاصة القطاع الخاص، إضافة للعديد من المؤسسات الحكومية!

ما زاد الطين بلة هو الإهمال المتعمد أحياناً، واللاواعي أحياناً أخرى، لموضوع تعليم العربية للأطفال في المنزل ودفعهم للتحدث بها، وتعويدهم على الارتباط بها، وبدلاً عن ذلك حرصت الأسر الجديدة والمتعلمة على فصل أبنائهم عن هويتهم، باستقدام مربيات يتحدثن الإنجليزية لزرع لغة أجنبية في لسان ووجدان الأطفال منذ البداية، ما أسهم في جهلهم بلغتهم، وفصلهم عن هويتهم، وتقريبهم أكثر لهويات لا تمت لهم بصلة للأسف الشديد!

الإشكالية لم تكن محصورة في اللغة باعتبارها أداة تخاطب فقط، لأن الإنسان تمكن من استخدام لغة الإشارة في التواصل، ولكن أهمية اللغة تكمن في كونها جزءاً أصيلاً ومعبراً عن الهوية الوطنية والقومية لأي شعب ولأي أمة، فهي تقوم بدور نفسي وثقافي كبير، تعبر عن المشاعر والأحاسيس، كما هي لغة الدين والعبادة، ووسيلة انتقال الموروث الشعبي عبر وبين الأجيال، والطريقة المثلى لفهم الأمثال والقصص والأساطير، والمشاعر والأفكار والقصائد، والعقائد والتقاليد، والأغاني والرقصات والعادات الخاصة بكل مجتمع وأزيائه وتاريخ أهله ومهنهم القديمة، وكل تراثهم.

كل هذا الإرث يجب أن يقال لأبنائنا وصغارنا بلغتهم العربية، وليس بالإنجليزية، يجب أن يعرفوا اسم الطعام الذي يأكلونه بلهجتهم، ومهن أجدادهم، وأزيائهم، وأسماء السفن وأنواع النخيل والأشجار و.. إلخ.

إن اللغة عالم واسع وكبير جداً، لا يمكن أن نكون على ما نحن عليه بدون هذه الميزة العظيمة، ميزة أن تكون لنا لغة خاصة بنا، نتحدث ونتفاهم ونقرأ ونغني، ونروي الحكايات والخراريف بها.

إن صمت الصغار اليوم، وعدم مشاركتهم في أحاديث وجلسات أهلهم وكبار العائلة ناتج من إحساسهم بالاغتراب الثقافي، لذلك يشعرون بأنفسهم، ويعبرون عنها بشكل أفضل في المقاهي الأجنبية وصالات الرياضة والمطاعم، ومع أصدقائهم، بسبب اللغة الأجنبية، وهذا ليس في صالح أحد.