في أحد اللقاءات سئلت فيروز: من هي أعظم امرأة بنظركِ؟ فأجابت: الأم، وسُئلت كم مرّة أحببتِ بإخلاص؟ فأجابت «مرّة واحدة»! وباعتبارها أماً ذات وضع شديد الحساسية، فقدت ابنتها الأحب إلى قلبها في عمر 28 عاماً بعد إصابتها بنزيف في الدماغ أثناء نومها.
كما رزقت بطفل قال لها الأطباء، منذ اليوم الأول لولادته، إنه لن يعيش طويلاً بهذه الإعاقة، وإنه يحتاج رعاية مكثفة وخاصة، والأجدر أن تتركه في دار رعاية خاصة، فرفضت وأصرت على أن ترعاه بنفسها، وهذا ما كان!
وها هو الطفل الذي قيل لها إنه لن يعيش سوى بضعة أعوام قد تجاوز الستين، ولا زالت ترعاه كطفل، بينما تجاوزت هي التسعين من عمرها!
فيروز، بكل صمتها وسمتها والدور الذي حملته كأيقونة ورمز للالتزام والرصانة والحشمة، وبكل هذه الأعباء المطلوبة منها، سُئلت مرة، بمَ تفكرين عندما تكونين وحيدة؟ فاكتفت بالقول «بلا شيء»! فكيف يفكر الإنسان في (لا شيء) ؟
ومتى فكر أحدنا في ذلك؟ أو متى يكون الإنسان في حاجة شديدة لهذه اللحظات البيضاء التي يعيد برمجة دماغه، أو لنقل يغسله من كل الأفكار التي تعيث بداخله طيلة الوقت ليجعله بلا فكرة تدور فيه، وبلا أفكار تقتات من خلاياه؟!
لطالما سمعت أشخاصاً يفكرون وهم نائمون، وإن الفكرة التي تظل تحرص أدمغتهم طيلة الوقت (لنقل تقلقهم) تندس معهم تحت الأغطية وتنام فيهم، وتظل حية تتقافز أمام مرايا اللاوعي والرؤى والأحلام.
فتتشكل على هيئة كوابيس وأحلام مزعجة، توقظهم من مناماتهم القلقة أشبه بشخص كان يلهث في صحراء باحثاً عن قطرة ماء! أما كان الأجدر به أن يتخلص من هذا كله، وأن يتدرب على أن لا يفكر في شيء لبعض الوقت من النهار حين يكون وحيداً بلا أعباء ولا قلق ولا انشغالات؟
نحن بحاجة ماسة لنتعلم كيف نفكر في (لا شيء)، لأن ذلك قد يكون علاجاً نافعاً وطريقة مهمة للتخلص من القلق والكوابيس والضغوط التي بلا حد، والتي يعانيها إنسان الحياة الحديثة القلقة!