من هو الصديق الذي نسافر معه ونحن مطمئنون تماماً؟ سؤال يفتح الباب للحديث حول واحدة من أكثر التجارب التي يخفق البعض في معرفة اشتراطات نجاحها، فيوافقون على السفر مع بعض أصدقائهم، ظانين أنهم سيقضون أمتع الأسفار معهم، فإذا بهم وكأنهم يتعاملون مع أشخاص يلتقونهم للمرة الأولى في حياتهم! لذلك قيل: هل تعرف فلاناً، قال: نعم، قيل فهل سافرت معه؟ قال: لا، قيل: إذن، فأنت لا تعرفه!

السفر متعة حقيقية، وهو مشروع مكلف جداً في أيامنا هذه، لذلك، فالأمر ليس مجرد حقيبة وتذاكر وفنادق فقط، فهناك ترتيبات ونفقات واستعدادات، وهناك صحبة لا بد منها، للكثيرين من الذين لا يسافرون مع عائلاتهم، وهذه تحتاج إلى تفكير واختيار جيد، قبل أن تقلع الطائرة إلى بلدان بعيدة، تكون في معظم الأحوال مختبرات حقيقية لمعرفة معادن الناس وسلوكياتهم وثقافتهم، فلطالما خسر كثيرون أصدقاءهم بسبب انكشاف شخصياتهم الحقيقية في السفر!

الصديق الجيد في السفر، ليس فقط ذلك الذي يشاركك الطريق، بل هو من يجعل الطريق أكثر سلاسة وبهجة، فيكون عوناً، لا عبئاً، والسفر قادر على أن يكشف الطباع على حقيقتها، لذلك، فإن اختيار الصاحب لا يقل أهمية عن اختيار الرحلة نفسها.

إن الصديق المتفهّم الذي يتقبّل الاختلاف بينك وبينه في الاهتمامات والرغبات والتوجهات، هو الذي يجب أن تختاره، الذي يتفهّم أن الناس تختلف في طباعها واحتياجاتها، فلا يفرض رأيه، ولا يستهين برغباتك، ولا يسخر منها.

كذلك الصديق الذي لا يتصلّب عند أي تغيير، ويعرف كيف يتعامل مع الظروف الطارئة والمفاجآت بسلاسة، فإذا ضاعت حقيبته، مثلاً، أو فاتكم القطار، لا ينهار ولا يصرخ ولا يلومك، بل يبحث معك عن أكثر الحلول توافراً.

قدرته ومراعاته الخصوصية التي له ولك معاً، بحيث لا يُلزِمك بالبقاء معه طيلة الوقت، مقدراً حاجتك لبعض العزلة أو المساحة الخاصة.

أما أكثر وأخطر وأهم الصفات، فهي الكرم المعنوي والمادي، فلا يحاسبك على كل شيء، ولا يجعل المال محور العلاقة، فيحول الرحلة، بسبب حرصه وبخله، إلى أسوأ تجربة!