أتساءل دائماً: أمهاتنا وجداتنا لم يحصلن على أي قدر من التعليم، ولم يصل إلى أيديهن أي مصدر من مصادر الثقافة والاتصال: لا كتب، لا مدارس، لا روايات، لا تلفزيون ولا صحف ولا هواتف، ليس سوى تلك العلاقات الاجتماعية المباشرة، وتلك التربية الوجهية (وجهاً لوجه) من أمهاتهن وجداتهن وجميع نساء العائلة.

لماذا، بالرغم من كل هذا، نجحن في تربية جيل من الفتيات والأمهات الواعيات والقادرات على تحمل مسؤوليات كبيرة تبدأ بالزوج والأبناء وتنتهي بمسؤوليات العائلة والدراسة والوظيفة والعلاقات الاجتماعية المتشعبة، دون عاملات ومساعدات وخدم ومربيات أولاً، ودون أن يفرطن في واجباتهن العائلية، ودون أن يقصرن في تربية أبنائهن تربية جيدة إن لم تكن ممتازة؟

في المقابل، لماذا فشلت (ليس في المطلق حتى لا نظلم الجميع) أعداد كبيرة من فتيات اليوم في القيام بالأمر نفسه: الالتزام بواجبات الأسرة والعائلة وتربية الأبناء وفق معايير التربية المجتمعية المتوارثة؟ لماذا خرجت من تحت أيديهن أجيال من فاقدي الهوية من الصغار الذين لا يتحدثون العربية بشكل كامل، ولا يحفظون آية من القرآن ولا يعرفون شيئاً عن دينهم ولهجة أهلهم وعادات بلدهم وتقاليده؟ جيل في معظمه غريب اللسان والانتماء؟

هل لأن المغريات والمؤثرات ووسائل التربية لم تعد كلها بيد الأسرة والوالدين كما كان الحال أيام الأمهات والجدات؟ هل لأن الانفتاح والرفاهية والإمكانيات المادية نازعت الأسرة في سلطاتها؟ هل للأمر علاقة بوسائل التواصل والإعلام والحريات الكبيرة فيما يخص الخيارات والحقوق المكفولة بالقانون والتي تحد من سلطات الأبوين حالياً، وليس كما كان الأمر في الماضي؟ هل اختلاف أنماط التنشئة، وتغير توجهات الأجيال مسألة عالمية تحصل بسبب تغير ديناميكيات الحياة وليس الأمر حكراً على مجتمع بعينه؟

في الحقيقة هذه الأسئلة غالباً ما تطرح كنوع من توجيه التهم لنساء اليوم، بينما الحق الذي يجب أن نعترف به أن المسألة أكبر من قدرات أم أو أمهات في أي مجتمع!