مرت أمام عينيّ وأنا أقلب مجموعة مقالاتي التي كتبتها في تلك الفترة هذه العبارة: خلال العزلة التي خيمت على كوكب الأرض بسبب جائحة كورونا، استخدم الناس الإنترنت وتطبيقات التواصل بشكل مضاعف للتواصل مع بعضهم في المقام الأول، وللعمل والتعليم وطبعاً لقضاء وقت الفراغ في اللعب والتسلية، وقد حمدنا الله جميعنا على نعمة التكنولوجيا والإنترنت، فقد أثبت الإنسان كما هو دائماً، بأنه كائن عصي على الانقراض، وأنه أقوى دائماً من أزماته، كما أنه أقوى بإرادته وتواصله.
ولو أننا رصدنا كمية الكوارث والحروب والمصائب والنكبات التي صبت على رأس البشرية منذ أقدم الأزمنة عندما كان الإنسان لا يحميه شيء من توحش المناخ والطبيعة سوى لباس من الجلد وكهف داخل جبل وحجرين يضربهما ببعض وحتى اليوم بعد كل ما أنجزه وتحقق له، لهالنا هذا الذي مر به الإنسان: الزلازل، الفيضانات، حروب الاجتثاث، الحيوانات المفترسة، الأوبئة، الجفاف، الأسلحة الفتاكة.. وغيرها كثير، ومع ذلك فالإنسان على ضعفه وقلة حيلته صامد ومستمر لأن هذا قدره أولاً، ولأنه الكائن الوحيد الذي يقاوم بالتعاون مع غيره.
هذا يعني أنه وإن كان قد عبر الأزمة الأخيرة مستعيناً بالتكنولوجيا، إلا أن ذلك لا يعني أنه إذا تعطلت التكنولوجيا سيضيع ويتخبط وتنتهي حياته، أو أنه سيتحلل وينقرض وهو جالس في بيته يرتجف من الخوف. إن الإنسان بقدر ما تفقده الكارثة قدرته على التماسك للحظة، إلا أنه سريعاً ما يستعيد سيطرته على الموقف ويبحث فيما حوله عن المخارج، لقد منح الإنسان قلباً محباً للحياة، وعقلاً أخرجه من كل تلك الكوارث التي مر بها.
إنني أصاب بالعجب حين يحاول البعض سلب هذه النعمة العظمى من الإنسان وتحويله إلى مجرد فرد في قطيع عليه ألا يفكر ولا ينظر إلا إلى حيث يوجهه قائد القطيع، وأننا محاطون بتكنولوجيا القطيع الشديدة التأثير، والتي تريدنا أن نكون (حبة في مسبحتها) لا نفكر، لا نعترض، لا ننتقد، ولا نتواصل، بينما التواصل هو ما حفظ حياتنا حتى اللحظة.