سألني صديق قائلاً: «لماذا أدخلت ابنك في مدرسة باهظة التكاليف، فأنت لست مليونيراً؟»
فقلت له: «أنت تسألني ذلك لأنك لا تعرف حكاية الأب سينج وابنه والغيغابايت».
فقال لي: «أليست هذه إحدى حكاياتك الغريبة؟»
قلت: لكنها حكاية هندية وليست حكايتي.
فقال: «وما علاقتها بمدرسة ابنك الباهظة؟»
قلت له: «تمهّل يا صديقي عليك أن تسمع الحكاية أولاً».
يا سيدي، لم يكن الأب الهندي سينج الذي يعمل في مصنع النسيج في بومباي يملك شيئاً على عكس بعض زملائه ممن ادخروا جزءا من مرتباتهم واستثمروه في العقار. فكان عقار الأب سينج هو ابنه إنيل البالغ من العمر 16 عاما والذي أنهى لتوه شهادة البكالوريا. كان الأب سينج جالسا مع زميله بانكاج يتحدث معه بحيرة حول مستقبل ابنه، فنصحه أن يبعث ابنه إلى معهد بومباي للتكنولوجيا خير من أن يبعثه إلى أميركا. وسحب ورقة وقلما وأخذ يراجع حسابات الربح والخسارة.
لكن القبول في معهد بومباي عسير للغاية إذ لا يقبل من بين الـ300 ألف مرشح سوى 5 آلاف طالب فقط. فهل سيكون ابنه إنيل من بين المحظوظين ليحقق حلمه الاستثماري؟
وازدادت خيبته عندما قرأ تصريحا لأحد الأساتذة في المعهد، قائلاً: «لدينا نظام اختياري صارم لأننا نصنع قادة المعلوماتية للعالم».
وهنا تردد الأب سينج، ولكنه فوجئ بقبول ابنه، ولكن ظهرت له مشكلة دفع تكاليف الدراسة، وهي 5 آلاف روبية في الشهر، وهذا بحد ذاته استثمار كبير لعائلة إنيل مما دفع الأب للجوء إلى الاقتراض من البنك، وإقناعه لتسديد تكاليف الدراسة.
قال في نفسه: ستكون النتيجة مثمرة، إنيل سيتقاضى بعد تخرجه، أي بعد مرور أربع سنوات ما بين 500 ألف ومليون روبية سنويا إذا عمل في شركة ناشئة أما إذا ذهب إلى أميركا، فسيتقاضى نحو 92500 دولار سنويا، وهي ثروة لا يجنيها أب إنيل لو عمل مائة عام في الهند. وهنا ارتسمت البسمة على وجهه عندما وافق البنك على إقراضه، بعد أن حسب البنك الفوائد التي سيجنيها بعد دراسة ابن سينج ونجاحه.
وبالفعل أنهى إنيل دراسته بعد أربع سنوات من الكفاح والاجتهاد وسهر الليالي، وفي أول يوم للتخرج انصرف إلى البيت فرحا بشهادته الثمينة. وطارت عائلته من الفرح. فبعث أول رسالة إلكترونية في الليل إلى إحدى الشركات الأميركية، وبما أن الوقت كان نهاراً في الولايات المتحدة، أجابته الشركة على الفور، برسالة عاجلة تبدأ بكلمة «ناماستي».. أي «مرحبا» بالهندية.
كان موظف الموارد البشرية يعرف المهندسين الهنود جيدا، فطلب منه التوقيع على عقد العمل فوراً، براتب قدره نحو 100 ألف دولار سنوياً. فلم يصدق الأب سينج ابنه إلا عندما رافقه إلى المطار، فأدرك بأنه يمتلك أجمل «عقار» في العالم، وحزن لخسارة زميله كينج في عقاره.
وبعد توديعه، حذر ابنه من عدم التجنس أو الزواج من أجنبية، خشية فقدانه لأن الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا تقدم لمهندسي البرمجيات الهنود طلب الجنسية مع عقد العمل، وتستورد عشرات الآلاف منهم سنويا، ضماناً لاستمرار شركاتها. وكرر الأب نصيحته لابنه في المطار، فأجابه إنيل: «لا تنس أن تبعث لي برقم حسابك المصرفي، يا أبي».
فضحك الأب وأدرك حينها بأن ابنه سيدفع جميع ديونه براتب أول شهر يتقاضاه.
فقلت لصديقي: «هل لي أن أشرح الآن: لماذا أدخلت ابني في مدرسة باهظة؟»
فقال لي: «لا ضرورة من ذلك، فقد فهمت الحكمة الهندية في الاستثمار الروحي والمادي». فقلت له: «لكني لم آخذ قرضاً من البنك لدراسة ابني بعد، ولو تطلب ذلك لفعلت». ابتسم صديقي..
ثم أضفت: «هل يضيرك أن يصبح ابني عقاري المفضل؟»
ضحك صديقي قائلاً: «أبناؤنا أجمل عقارات الدنيا، يا رجل».