يمر علينا العيد كل عام ونحن في ظروف مختلفة وأحوال متغيرة.. يعود كل سنة ونحن في هموم أقل أو ربما أكثر.. بسعادة مضافة أو فرحة ملغاة.. نجتمع مع أقاربنا وأحبابنا ولا نعرف ما في داخلهم.. ما هي آمالهم وآلامهم.. نلتف حولهم وتلتف حولنا أسئلة كثيرة. لماذا والكل منا بجانب الآخر، نشعر بغربة ووحشة وحواجز تنساب بيننا بسخاء؟!

يتمنى كل منا أن يعبر عما في داخله للآخر، لكنه يخاف ويخشى من نظرة الآخر له، فيلتزم خيار الصمت. منا من يرى العيد وكأنه لوحة ملونة رائعة، صباح فريد، وشعور مختلف ولذيذ، أطفال بثياب جديدة، وابتسامات مشعة، جمع محبب من الناس يحيط به، رائحة دخون طيب وأصيل في الثياب، قبلة دافئة على يدي الوالدين..

وفرصة تغتنم لتهنئة الأقارب وصلة الأرحام وإسعاد الأطفال ب«عيدية» تساوي الكثير، كتلة من القيم الإسلامية واحتفاء كبير بتلك الملامح الإيمانية التي تتجسد في مضمون العيد، الذي يحتفل فيه المسلمون بالقدرة على صيام شهر رمضان، واستبشاراً بنيل ثواب الصائمين القائمين.

وفي الجانب الآخر، هناك من لم يلحظ قدوم العيد أصلاً.. فهو يرى في العيد مناسبة كئيبة ومملة ـ هو جعلها كذلك ـ فهو يحاول الفرار من تلك المناسبة التي فرضت عليه، فيسهر ليلة العيد في الاستراحة أو البر، وينام ساعات طوال في يوم العيد، وينسى أو يتناسى أن يهنئ أهله وأقاربه..

وأمثال هؤلاء هم أنفسهم الذين قضوا أياماً وليالي الشهر الفضيل في التسكع وقضاء جل الوقت في اللهو والسهر، فلم يذوقوا حلاوة الصيام وهيبة القيام ولذة الطاعة، فهان عليهم هذا الاحتفال، ولم يكن لهم نصيب مما فيه من فرحة وبهجة وراحة تعم الأجواء وتنطلق حتى الأفق.

كل عام وأنتم بخير.. أقول، لكل من يؤمن بوجود العيد في حياتنا..

وكل عيد ولا تزال لدينا القدرة على الدهشة والإحساس بالسعادة..

كل عيد ونحن أصغر عيوبا وأكبر نضجاً.. كل عيد ونحن أقل تأسفا وتعثرا، وأوثق خطوة وتكلما.. كل عيد ونحن نحتفل بإنجازاتنا، وليس بأرقام سنواتنا.. كل عيد ونحن على يقين بوجود العيد في دنيانا.. كل عيد ونحن كما نرغب، لا كما يفترض. كل عيد ونحن أمة تتقدم بأخلاقها وحضارتها، لا بأموالها ونفطها.. كل عيد ونحن نسعى لرضى المعبود، وليس رضى العابد.

كل عيد ونحن أقرب إلى التسامح والعفو، وأبعد عن الحقد والغل..

كل عيد وما زلنا نتذكر العربي، ذلك الكريم المهان في العراق وفي فلسطين.. داعين لهم باستعادة الحياة الكريمة والحرية الثمينة، والروابط الحميمة مع من فقدوهم بالحرب أو الضرب! كل عيد ونحن لم نفقد صوابنا بعد، ونحن نتابع الأخبار ووحشية العدو، ونحن نسائل من تتلمذ على يد الآخر: أميركا أم إسرائيل؟!

كل عيد ونحن نسعى أن نقف على أرضنا العربية الغنية، بلا فقر وبلا فقراء.. كل عيد والعالم من حولنا بلا حروب، فالسلم أقل تكلفة من الحرب، ومحاربة الفقر أجدى من محاربة الإرهاب. كل عيد ونحن أقوى ببعضنا.. بديننا.. باتحادنا، وليس باختلافنا وبصفقاتنا وعلاقاتنا الخفية.

كل عيد ونحن ننثر الأثر الطيب في نفوسنا.. ليكون تقديرنا لأنفسنا أكبر من سخطنا عليها.. كل عيد ونحن أقوى، أرقى، أنقى، وأذكى من تكرار نفس الخسارات.

أخيرا.. هذه هي بعض من خواطري المتواضعة وأمنياتي التي قد تبدو مستحيلة ليوم العيد، أكتبها بحب وعفوية وصدق.. وألم!

بقي أن أدعو الله أن يعيد على أمتنا عيد الفطر المبارك، بأزهى حلل النماء والرخاء.

كاتبة سعودية

opinion@albayan.ae