في كل عيد كانت نشرات الأخبار المقروءة والمرئية تركز على المناطق المنكوبة بالظلم والاحتلال، تبرز صور الثكالى وهن يحتضن شواهد قبور الشهداء، أو أزقة مقفرة إلا من شقوق الجدران والمجاري الجارية في العراء، وأطفال حفاة لا يعرفون من العيد سوى أن كمية الطعام في الحاويات انخفضت.

لكن هذا العام، وجرياً على أن المعتاد لا يؤلف دواعي الخبر، اختفت أنصاب الشهداء من الشاشات الخبرية، وعزف معظم الفضائيات والمنابر المقروءة تقارير مبهجة، تركز على نصف الكأس المملوءة، بغض النظر عن المادة السائلة.

على أن التمعن في الأمر يفضي إلى:

* قانون العادة والاعتياد الممنهج أفضى إلى نتيجة حتمية، مفادها أنه لفرط الحديث عن قضية ما بنفس المصطلحات والأسلوب وداخل نفس الدائرة، لا بد يولد مللاً لدى الرأي العام، الباحث عن أي جديد أو ملهاة تعينه على نوائب العصر والأوان، وتالياً لم تعد القضية الفلسطينية مركزية، ومشاهد دماء العراقيين في الشوارع باتت جزءاً من المشهد البصري العربي.

* مظاهر الاحتجاج الطبيعية على ما صنعته أيدي جشعنا بالأرض، فاقت في نتائجها الكارثية مآسي الحروب، فانزاحت قضايانا التقليدية عن الواجهة لمصلحة هذه الكوارث المهولة، وتدفقت من شاشاتنا مشاهد غرق الملايين من البشر والحجر في باكستان، وانشغل الضمير الآدمي في محاولة إنجاد نحو ثمانية ملايين مشرد، لم يسبق لحرب حديثة أن شردت مثل هذا العدد أو دفعتهم في مواجهة الأوبئة الفتاكة.

* في كل مرة، يخرج الساحر الأميركي أو طاقمه من طاقيته الطويلة، أرنباً أو حتى كبشاً، يلفت الأنظار عن تجاعيد سياساته العجيبة ويظهره بمظهر المعتدل مقارنة مع ما في الجعبة، وآخر ما فيها مخطط حرق القرآن الكريم، والجلبة التي أحدثها هذا المخطط، والمقايضة مع بناء مسجد في موقع كارثة 11 سبتمبر، فخرج الأفغان مثلاً للاحتجاج، لا على الفقر الشرس ولا الفوضى الأمنية ولا الاحتلال الأجنبي، بل ضد القس الباحث عن شهرة مدفوعة من قبل قوى قابعة منذ الأزل في قبعة الساحر.

* والأهم من كل ما سبق، أن العيد هذه السنة كان وقع الأزمة المالية العالمية عليه أقسى من العام الفائت، بعدما خفت قوة الدفع الذاتي لدى المستهلك، الذي استنفد جزءاً مهماً من ادخاراته الشخصية، وبات وجهاً لوجه مع استحقاقات الأزمة، فبات الانشغال بتدبير مصروفات اليوم وفواتيره في صدارة الأولويات، وتغيرت معايير تقييم أهمية الخبر لدى الفرد لجهة المصلحية الفردية، فالمهروس تحت ضغط المعيشة لا يملك ما يكفي من الأنفاس للتفكير في القضايا الكبرى.

نعم، وحدت الأزمة المالية العالمية الجميع، وباتوا في الهم سواء، فلا شرق ولا غرب، ولا دول شمال غني وجنوب فقيرة، لا طبقات متوسطة أو دنيا أو عليا، الجميع مشغول بالبحث عن كوة الأمل، ولا وقت لديه سوى لمظاهر التقليد والعادة في العيد وقوة دفع إيمانية بقرب الخلاص، والابتهال إلى القدير من أجل تخطي المحنة.

قد نبالغ قليلاً إن قلنا إن الأزمة المالية العالمية جعلت الغاصب والمغتصبة أرضه سيان، وغيرت أجندتهما معاً، لكننا على يقين من أن قيم العدل والحق أقوى من كل الأزمات، ومن كل ما في الطاقية الطويلة.

Adonis02@hotmail.com