في الولايات المتحدة الأميركية يوجد لوبي مناهض للتقارب مع روسيا، وهذا اللوبي قوي ومؤثر في دوائر صناعة القرار، وليس صحيحاً بشكل كبير ما يردده البعض، وخاصة في روسيا، من أن أنصار هذا اللوبي هم من ورثة أفكار الحرب الباردة السابقة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، بل على العكس، يمكن القول إن هؤلاء مرتبطون بالحاضر والمستقبل أكثر من ارتباطهم بالماضي، هؤلاء لا يعملون من منطلق العداء والكراهية لروسيا أو غيرها.

بل يعملون وفق مخطط استراتيجي كبير تحت عنوان «صناعة العدو»، وهو المخطط الذي يدخل في إطار اختلاق الحروب والنزاعات في مختلف أنحاء العالم، وذلك لمصلحة جهات معينة داخل الولايات المتحدة تستفيد بشكل كبير من هذه الحروب والنزاعات وتحقق من ورائها عائدات وأرباحاً هائلة.

اختيار روسيا بالتحديد لتكون عدواً دائماً للولايات المتحدة ليس نتاج الصراع بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي في القرن الماضي، بل ربما يسبق هذا الصراع بعدة عقود أخرى، وهناك دراسات كثيرة قامت بها جهات متخصصة في الولايات المتحدة في هذا الشأن، وهذه الدراسات تفيد بأن روسيا دولة تختلف كثيراً عن باقي دول العالم من حيث الإمكانيات والطموحات.

وأيضاً من حيث التركيبة النفسية لشخصية المواطن الروسي، هذه الشخصية التي تؤكد هذه الدراسات المشار إليها أنها شخصية سلطوية متعالية تطمح دائما للسيادة والسيطرة، ويستدلون على ذلك بأشياء وكتابات تاريخية حول روسيا والشخصية الروسية، ومنها كتابات الفلاسفة الفرنسيين في القرن التاسع عشر الذين كتبوا يقولون إن الأمة الروسية أمة ذات طموحات امبراطورية عالمية.

ويستدل بعضهم على ذلك بأن روسيا وشعبها يرفضون دائماً على مر العصور تصنيف أنفسهم بأنهم غربيين أو شرقيين، فهم يرفضون الانتماء لإحدى القارتين الآسيوية أو الأوروبية، وذلك حتى يعطوا أنفسهم الحق في الهيمنة على شعوب القارتين، ويبالغ بعض الكتاب الغربيين من أنصار هذا الاتجاه في تضخيم هذه الحالة الروسية إلى درجة القول إن روسيا تستخدم إمكانياتها وثرواتها الطبيعية وقدراتها البشرية والعلمية فقط من أجل السيطرة، وليس من أجل مساعدة الآخرين وتطور البشرية.

وربما من أبرز هؤلاء الفلاسفة القدامى الفرنسي «دي توكفيل» الذي هاجر إلى الولايات المتحدة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ووضع هناك مؤلفاته الشهيرة عن الديمقراطية في الولايات المتحدة، هذا الفيلسوف الذي كان مصابا بعقدة الكراهية للشرق والولع بالغرب، لدرجة أنه كان يعتبر بلده فرنسا بلداً شرقياً متخلفاً لا يعرف الديمقراطية وحرية الإنسان.

وتناول في مؤلفاته روسيا بنقد حاد معتبرها أمة مستبدة لا تعرف اعتباراً للإنسان كفرد، ويعتبر دي توكفيل الكاتب المفضل لمعظم صقور اليمين المتشدد الأميركي على مر السنين، ومنهم الرئيسان الراحلان ريجان ونيكسون، وقد استشهد به نيكسون في كتاباته كثيراً، وخاصة ما قاله عن الأمة الروسية.

هكذا يفكر ويؤمن أنصار اللوبي المناهض لروسيا في الولايات المتحدة، فهم ينظرون إلى روسيا على أنها العدو الأكبر، وعلى هذا الأساس يفسرون أية تصرفات في السياسة الروسية على أنها سعي للخروج للعالم من أجل الهيمنة وتأسيس الامبراطورية الروسية العظمى، ويفسرون ما يفعلونه هم في هذا المجال بأنه سعي للحد من طموحات روسيا الامبراطورية، ويسعى هذا اللوبي إلى نشر أفكاره في بعض المعاهد والمؤسسات التعليمية داخل الولايات المتحدة وخارجها، وتعد هذه الأفكار أساس مادة التدريس في المعهد الوطني الجمهوري في واشنطن، هذا المعهد التابع للحزب الجمهوري .

والذي تترأسه زوجة صقر اليمين المتشدد الأميركي، نائب الرئيس السابق «ديك تشيني» الذي يحظى من روسيا بوصف «الشخص غير المرغوب فيه» هو ونائب الرئيس الحالي جو بايدن الذي ترفض روسيا دخوله أراضيها، ومن هذا المعهد يتخرج القادة الأجانب التي تعدهم واشنطن لحكم بلادهم عن طريق الانقلابات والثورات الملونة، ومن أشهرهم الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي.

إذاً الكراهية لروسيا لدى هذا اللوبي ليست مجرد سياسة أو رواسب من موروثات الحرب الباردة، بل هي علم ونظريات راسخة تصل إلى درجة العقيدة الثابتة لدى هؤلاء، ولهذا فهم يسعون دائما لإعاقة أي تقارب أميركي مع روسيا.

خبيرة الإعلام الروسية

mekhaelovna@mg.ru