يستحق الأستاذ عبد الغفار حسين الشكر على مقالته «المجلس الوطني هل إليه حاجة؟» في «البيان» بتاريخ 15/02/2010، لشجاعته بطرح هذا التساؤل العام وطرحه التحريضي وإعماله الفكر بشأن حل مشكلة عدم فعالية المجلس الوطني، موفقا كان في طرحه أم غير موفق، كفى أنه رمى بالحجر في البركة الراكدة استنادا إلى تردد السؤال على ألسنة المواطنين.

هذا السؤال الذي يتردد على ألسنة أكثر المواطنين، والذي أحجم كتاب الإمارات عن طرحه على صفحات الصحف، بسبب الرقابة الذاتية التي يفرضونها على أنفسهم، مع أن قانون النشر يصون حريتهم بالخصوص، وما يشير إلى شيوع تردد هذا السؤال على ألسنة المواطنين ردود وتعليقات القراء على المقالة.

وكذلك الردود والتعليقات على رد رئيس المجلس الوطني الاتحادي السيد عبد العزيز الغرير المنشور في «البيان» أيضا بتاريخ 21/02/2010، التي أجمعت دون استثناء على عدم فاعلية المجلس الوطني الاتحادي، وإن تباينت آراؤهم بخصوص علاج حالته.

وبغض النظر عن أسلوب الأستاذ عبد الغفار حسين بطرحه التحريضي للتفكير، أو خطئه بما ورد في مقالته بمبلغ ميزانية المجلس أو ما ذهب إليه من طرح بإلغاء المجلس، الذي هو دعامة من دعامات اتحاد الإمارات واجب علاج عدم فعاليته، لا الدعوة لإلغائه والاستعاضة عنه بالمجالس البلدية، إلا أن هذا ليس بمانع من التفكير النظري في ما ذهب إليه من إلغاء المجلس، فله وجاهته النظرية فقط طرحا للبدائل أو العلاجات دون أي اعتبارات أخرى، فللأستاذ عبد الغفار حسين أجر الاجتهاد إن أخطأ وعلى الآخرين مناقشته مناقشة موضوعية في خطئه ورد الحجة عليه.

أما رد سعادة عبد العزيز الغرير فقد كان غير موفق، وكان إنشائيا استعراضيا تعوزه الموضوعية، ولم يرق إلى مستوى الجواب المأمول من مقام رئاسة المجلس الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، ردا على النقد الموجه لأداء المجلس الوطني، فحسب رده فإن أداء المجلس الوطني متميز ولا يشوبه قصور.

بذلك الرد ينكر رئيس المجلس شكاوى المواطنين من وزارات الخدمات وعدم كفاءتها، وبالتالي تنتفي الحاجة بالنسبة له لاستجواب الوزراء عن قصور أدائهم حلا لشكاوى المواطنين.

أفلا يمثل أصحاب الردود والتعليقات على مقالة الأستاذ عبد الغفار حسين، عينة تمثل شريحة كبيرة من المواطنين الذين لهم مآخذ على عدم كفاءة أداء المجلس الوطني؟

ولماذا هذا التجاهل لما يكتب في وسائل الإعلام، بعد أن استنفدت الوسائل الأخرى منذ تبوئه رئاسة المجلس؟ وعدم قيام المجلس الوطني بسؤال الوزراء المعنيين عن قصور أدائهم، هو جوهر ومنبت التساؤل: «المجلس الوطني هل إليه حاجة؟».

ونقاش الخطأ يتطلب الموضوعية التي تتطلب الاحتكام لظواهر النص وما يحمله، لا إلى تأويله وأن يشار إلى مقترحه بسوء الطوية وإطلاق سوء الظنون في كل الاتجاهات ودون تحديد، وتحميل النص ما لا يحتمل بوصفه دعوة لإلغاء المؤسسات الاتحادية ومن ثم الاتحاد!

وقياسا على ذلك، إن صح هذا النهج، وهو غير صحيح، فهل يصيب سوء الظنون هذه أيضا جميع المواطنين المتسائلين عن عدم الحاجة للمجلس الوطني لعدم فاعليته والمقترحين للبدائل أو العلاجات لوضعه القائم؟

هذا المنطق أقل ما يمكن وصفه به، إذا تجنبنا وصفه بالإرهاب الفكري جريا على نفس المنطق المرفوض سابق الذكر، أنه لا يساعد على إثراء الحوار وصولا إلى الارتقاء المطلوب لمؤسسة تشريعية أسست كي تكون ميدانا للحوار، الهدف من إنشائها أساسا التشريع وسن القوانين.

ومناقشة ما تطرحه الحكومة من مشاريع قوانين طلبا للمصادقة عليها، ورقابية بمساءلة أعضاء الحكومة عن أدائهم بطرح التساؤلات ولفت الأنظار لمواطن القصور في أداء وزاراتهم، وبوتقة لتلاقح الأفكار ارتقاءً بالعمل العام.

تلك المؤسسة التي تمنى وعمل مؤسس هذه الدولة المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ونائبه المغفور له الوالد الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وأعضاء المجلس الأعلى، لأن تنتقل بفاعليتها من الاستشارية إلى التشريعية الكاملة في زمن أقل من الأربعين سنة التي مضت من عمرها.

وما زال ذاك التمني قائما ويسعى له جميع أعضاء المجلس الأعلى أصحاب السمو الحكام، اقتفاءً لتوجيهات رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظهما الله ورعاهما.

إن محاسبة صاحب النقد أو الطرح على نواياه وسوء الظن به، منهج لشطب مجمل حوار المحاور بدلا من تفنيد ما ورد بالنص أو الطرح حجة بحجة.

والأخذ بما هو صحيح منه، وتصويب ما هو غير صحيح، أو عدم إكمال النقص بالجدل الوارد فيه أملا في بعث الحياة في النقد حلا للخلل مثار النقاش، كل هذا مسمم لأي حوار ترجى منه أي فائدة أو تقدم، يبطل جدواه ولا يؤسس لقيام برلمان أو مجلس نيابي أو وطني بأي صفة من الصفات.

أفلا يحق لنا أن نتعظ بشيء من قولة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: «رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي»، وممارسته ذلك عندما حاججته امرأة وأثبتت صحة قولها، لم يسألها من أنت، ومن قبيلتك، وما هي مؤهلاتك لتحاجي أمير المؤمنين، ولم يتمسك برأيه ويتخندق بموقفه، بل أخذ بقولها وقال على الملأ: «أصابت امرأة وأخطأ عمر»، دون لجاجة أو مطولات لا معنى لها!

لم ينقص هذا التصرف شيئا من قدر الفاروق، بل زاده قدرا على قدره، وأوصله معارج عجز عنها الكثير من البشر، إذ كان التصرف قمة من قمم الشجاعة إذا ما علمنا كنهه وسبرنا غوره!

snahyan@eim.ae