كثيرا ما نرتجل قرارات سريعة لا نفكر في تبعاتها، ولا نبالي بما قد يترتب عليها من نتائج ربما لا تسرنا كثيراً فيما بعد حين تطفو على سطح أيامنا، وتترك بصمتها واضحة على أرواحنا ونفسياتنا، سواء رضينا بها أو لم نرض..

وربما تأتي موفقة من باب «رُب رمية من غير رامٍ»، لكنها لن تصيب في كل مرة بالطبع.

ارتجال القرارات ليس أمراً مرغوباً فيه إطلاقاً، لكنه شكل من أشكال التعبير المضمر عن ضيق الوقت وكثرة الالتزامات، وعدم صفاء الذهن للتفكير الهادئ المتزن الذي نحتاج إليه كي لا نصل إلى مرحلة الندم، وهي مرحلة صعبة في الأصل.

لكننا ألفناها لكثرة ما عشناها ولكثرة ما مررنا بمواقف ندمنا عليها، وندمنا أكثر على تفريطنا في قضاء بضع دقائق كانت ستكفي ـ وتزيد ـ للتفكير في بعض الأمور، ودراسة القرارات السليمة التي يجب اتخاذها بشأنها، والإحاطة علماً بالنتائج المترتبة عليها، ثم اتخاذ القرار المناسب لها.

ليس الندم إحساساً جميلا يمكن لأي منا أن يحتمله بشكل متكرر ودائم، بل من الطبيعي أن يسعى كل إنسان إلى ألا يضع نفسه بين مخالب الندم وأنيابه، خصوصاً إذا كان بإمكانه أن يتقي ذلك من البداية، فالوقاية خير من العلاج، ولا علاج للندم سواء طال الزمان أو قصر، والأولى أن يحرص كل واحد منا على ألا يصل بنفسه إلى ما لا علاج له منه.

لكن المشكلة هي أننا أصبحنا لفرط انغماسنا في دورة الحياة اليومية، نستسلم لإحساس الندم ونغض الطرف عن الآلام التي يسببها لنا، لأننا لا نريد أن نتوقف عند تقصيرنا تجاه أنفسنا، ونراجع حساباتنا معها فنكتشف ما لا نريد اكتشافه، وهو أننا بُخلاء جدا مع أنفسنا، حتى لو كان الهدف الذي نسعى إليه في لهاثنا في هذه الحياة يبدو ظاهرياً من أجل أنفسنا أيضا.

اختلاس دقائق، أو حتى سويعات إن تطلّب الأمر، للتفكير في أمر ما، كبير أو صغير، واتخاذ قرار مدروس بشأنه، قد يوفر علينا راحة بال ستمتد عمراً بأكمله بعد ذلك، أو جزءاً من عمر ربما، لكنها في كل الأحوال تُعدّ عمراً يستحق أن نهتم بأمره، حتى لو كان مجرد أيام معدودة.

ومع ذلك لا تجود أنفسنا «لأنفسنا» بهذه الدقائق، ودائما هناك أمور تصعد على أكتاف أمور أخرى، وتدفعنا إلى تضييق مساحة التفكير في ما يستحق وقتا أطول للتفكير، أو ربما نضطر لعدم التفكير في ما يتطلب التفكير قبل أن نتخذ أي قرار بشأنه.

كم مرة اتخذنا قرارات ندمنا عليها.. بل احترقنا حسرة وندماً على عدم إعطاء أنفسنا في المواقف المختلفة التي تتعرض لها بين حين وآخر، فرصة التفكير ثم التفكير ثم التفكير فيها.

إننا بالفعل لا نحتاج إلى أكثر من دقائق للتفكير في كثير من الأمور التي تعترض طريق حياتنا بتفاصيلها اليومية، لكننا نبخل على أنفسنا بهذه الدقائق، ونسابق شيئا لا نعرف ما هو عادة، فلا نحن نسبقه ونصل إلى هدفنا غير المُدْرَك بالنسبة لنا حينها..

ولا نحن نتريث ونولي أنفسنا شيئا من الاهتمام والاحترام لكياننا الإنساني الذي يحتاج إلى التفكير، قبل أن يخطو أي خطوة ـ حقيقة أو مجازاً ـ بدلاً من أن يهيم بقراراته ارتجالا، موفقاً حيناً وغير موفق أحيانا أخرى.

يحدث أيضاً أن نفرّ من ارتجال القرارات، حين لا نمتلك الجرأة الكافية للإقدام على مثل هذا الأمر، ولكننا حين نفرّ من ارتجال القرارات خوفاً من الندم الذي سيأتي سريعاً دون شك، لا نخطو الخطوة الصحيحة، وهي دراسة الموقف واتخاذ القرار المناسب، بل نقف عند الطرف الآخر وهو تأجيل القرارات.

إننا لم نتعلم جيدا أن نعطي حياتنا ما تستحقه من وقت، لأننا لم نستوعب بعد أنها هي الوقت.. هي كل الوقت..

وهو العمر بكل ثانية تمر فيه، ويجب علينا أن نعيشه كما ينبغي أن يُعاش، وهذا يعني أنه من الواجب علينا أن نتخذ القرار المناسب للموقف المناسب، لا أن نرتجل قرارات نندم عليها، أو نؤجل قرارات قد لا تحتمل التأجيل ومن الممكن أن تترتب عليها نتائج نحن في غنى عنها.

تأجيل القرارات وعدم البت فيها في الوقت المناسب، هو شكل من أشكال الهروب.. ولكن، ألسنا نهرب من حياتنا حين نهرب من اتخاذ القرارات المصيرية المهمة في توقيتها المناسب؟!

جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com