كان المعلم يشرح لطلبته في أحد مدارس بغداد خارطة للجنائن المعلقة، قائلاً: «وكانت المدينة ذات أسوار يبلغ ارتفاعها 350 قدماً وسمكها 87 قدما وكانت لهذه الأسوار مئة باب مصنوع من الذهب وأبرزها 8 بوابات، أما أفخمها فكانت بوابة عشتار». فنهض أحد الطلبة وسأل المعلم: «هل أنهم يبنون الجنائن المعلقة في المنطقة الخضراء؟» وهنا سقطت قطعة الطبشور من يده، وعصر حاجبيه، دون أن يتمكن من إجابته.

كل الرؤساء العراقيين وعدوا الشعب ببناء جنائن معلقة له، كما بنى الملك نبوخذ نصّر الحدائق تقديراً لزوجته سمير اميس، التي، بحسب الأسطورة، اشتاقت إلى غابات وورود وطنها. ولكن حب الرؤساء للشعب لم يبلغ حب سمير أميس إلى زوجته.

جميع الرؤساء كانوا يتصورون أن الوصول إلى الجنائن المعلقة يجب أن يمر من خلال الحروب ومن ثم جاء رؤساء قالوا إن الوصول إليها يجب أن يمر عبر الانتخابات.

وسرعان ما تحولت الانتخابات العراقية إلى شأن بريطاني وأميركي لأن ما يكتب فيهما، يفوق ما يكتب عنها في البلد الأصلي. الاندبندنت كانت أكثر قوة في وجهة نظرها بقولها إن الانتخابات العراقية ودماء العراقيين تهدر من أجل الغرب. فقد نشرت تقريرا تحت عنوان «مرة أخرى تسير أمة عبر النيران لتمنح الغرب ديمقراطيته»، يرى أن الديمقراطية لا تنجح «عندما تكون الدول محتلة من قبل القوات الغربية».

خرج العراقيون بعشرات الآلاف في انتخابات عام 2005 في العراق وسط هدير التفجيرات الانتحارية «خرج الشيعة وفقا لتعليمات قادتهم الدينيين، بينما قاطع السنة رافضين». وينتقد التقرير الغرب قائلاً «نحن الغربيين حاولنا أن ننسى الماضي، حتى الماضي القريب»، مذكرا بقرار هيئة العدالة والمساءلة العراقية باستبعاد عدد من المرشحين، معظمهم من السنة، على خلفية أنه كانت لهم علاقات سابقة مع حزب البعث. و

ترى أن هذا القرار كان «عودة واضحة إلى السياسة الطائفية، فالشيعة الذين كانوا مقربين من صدام لا يزالون يحتفظون بمناصبهم في العراق «الديمقراطي» الذي يفترض أن العراقيين صوتوا له بالأمس».

في حقيقة الأمر، إن الغرب رتب أسلوب الحكم وطريقة الانتخاب بحيث يضمن ألا يستطيع حزب واحد من الوصول إلى السلطة، بل أن يكون هناك تحالف أو ائتلاف.

ومن المحتم أن تشكل الانتخابات «نقطة محورية للتمرد»، وأن «تتواصل ثقافة العنف» لتلقي بظلالها على ديمقراطية العراق. ولا يزال الغرب يخجل من مقارنة لا مبالاتهم الانتخابية في بريطانيا بالإقبال العراقي على الانتخابات. سياسيان يسيطران على مشهد الانتخابات بينما قد يظهر سياسي ثالث من وراء الكواليس.

فإذا احتفظ نوري المالكي بالسلطة، فسيكون التحدي الأساسي أمامه هو إشراك الأقلية السنية في حكومته وجعلهم يشعرون بأن لهم حصة في مستقبل العراق السياسي. في الوقت الذي تتكتم فيه الحكومة البريطانية على سرية جلسة محاكمة، تتعلق بمطالبة سبعة رجال عراقيين بتعويضات من الحكومة البريطانية لسوء المعاملة والتعذيب الذي مارسته جهات أمنية بريطانية بدون قانون.

فيما يخرس المعلم أمام طالبه الذي يسأله فيما لو كانت الأسوار الأسمنتية التي تحيط ببغداد هي من أجل بناء جنائن معلقة جديدة. أكثر من مليون ونصف المليون قتيل وأكثر من مليون أرملة وأكثر من خمسة ملايين خارج العراق من اجل الوصول إلى جنة الانتخابات المعلقة.