قضية الصحراء الغربية ليست مشكلة سياسية بين بلدين عربيين متجاورين هما المغرب والجزائر فحسب، إنما هي مأساة اجتماعية واقتصادية وإنسانية مركبة، تحمل بين طياتها آلام ومعاناة أناس تلعب بهم أهواء السياسة وطموحات السياسيين، في غياب أو تغييب لفداحة الكارثة الإنسانية المصاحبة لهذا الملف الدامي والنزاع المستمر، من تشرد للعائلات وتغييب للأزواج والأبناء، ومعاناة للمرأة والطفل الضحية الأولى والسهلة للنزاعات.

لكن المراقب والمهتم بهذه القضية أو الجرح النازف، يتساءل في ظل إيجاد عشرات الحلول لنزاعات حدودية أو مشكلات داخلية في قارات العالم، لماذا تأخر ويتأخر الحل طويلا عن هذه المنطقة الجغرافية؟ سيما وأنه لا يوجد فيها الآن مستعمر أجنبي أو مغتصب لحق شعب ما، فالبلدان متجاوران وبينهما من الروابط والخصوصية ما يسهل كثيرا من البحث عن حل منطقي وواقعي، يستشرف آفاق العلاقة وعمقها في الحاضر والمستقبل.

فالنزاع في جوهره ليس بين المغرب وحركة أو جبهة تطالب بحق تقرير المصير فحسب، إنما هذه الحركة وكما هو معروف، تتحرك تحت مظلة سياسية ودعم لوجستي ودبلوماسي جزائري، وبخلاف هذا فهي لن تبقى (أي البوليساريو) على الساحة فترة أسبوع. فالمغرب سلم خطيا منذ سنتين تقريبا وبصورة رسمية إلى المنظمة الدولية (الأمم المتحدة)، خطته المقترحة لحكم ذاتي واسع الصلاحيات، ربما يقترب من صلاحيات دولة عدا الراية الوطنية وحق السيادة، بينما قابلتها جبهة البوليساريو بخطة بديلة لحل النزاع، تقوم على أساس تنظيم استفتاء أممي في الصحراء، يقوم على مبدأ حق تقرير المصير في هذه المستعمرة التي تركتها إسبانيا عام 1975، وضمتها المغرب تلقائيا إليها باعتبارها إقليما صحراويا مغربيا..

وفي هذا الإطار يرى سيداتي الغلاوي القيادي السابق في جبهة البوليساريو، أنه من الصعوبة تنظيم استفتاء في الصحراء وفقا لإحصائيات عام 1974م، بسبب صعوبة تحديد هوية الناخبين وجملة من العراقيل التي وضعها الطرف الآخر أمام هذا المطلب. ويقول هذا القيادي الذي أمضى جل سنوات عمره مقاتلا وقياديا في دهاليز الحركة الصحراوية، إن صيغة الحكم الذاتي الواسع الصلاحيات هو الحل الأمثل للنزاع، «حيث يسمح لنا بتسيير منطقتنا سياسيا واقتصاديا، كما أنه حل يحفظ لنا هويتنا ونمط عيشنا ووحدتنا الترابية». كما أن المقترح المغربي الداعي إلى الحكم الذاتي المرن في الصحراء في الوقت الذي لا يغبن المغرب في حقه السيادي، سوف يسهم بلا شك في حفظ استقرار المنطقة ويعزز من الرغبة في إتمام خطوات التقارب بين بلدان المغرب العربي، في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية.

وفي حقيقة الأمر فإن الحكم الذاتي بحد ذاته هو نوع من الحكم متعارف عليه في البيئة الدولية، وفي جوهره يلبي مضامين حق تقرير المصير، إن كان هذا الحق يتعلق بالصلاحيات والمشاركة الايجابية في تعزيز النسيج الوطني، بعيدا عن الإلغاء والتهميش في ظل معادلة الصراع الحالية وإبقاء هذه القضية دونما حل واقعي لها ولأطول وقت، سعيا وراء تحقيق مصالح سياسية وجيواستراتيجية لهذا الطرف أو ذاك، لا تتوافق وروابط الأخوة والمصير والجوار.

لكن ربما يبقى سؤال يتداول بين المراقبين والمتابعين لهذا الملف، بشأن القرار الأممي رقم 1754 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في إبريل 2007، والذي طلب بوضوح من المغرب وجبهة البوليساريو الانخراط في تفاوض مباشر وبإرادة حقيقية، في حين أشاد بجهود المغرب بخصوص مقترح الحكم الذاتي، ووصفه بأنه عمل جاد، وفي نفس الوقت لماذا لا يتم التعاطي مع مقترح البوليساريو بإجراء استفتاء للسكان الصحراويين لمعرفة رأيهم في موضوع حق تقرير المصير؟ فإذا كانت نسبة كبيرة من الصحراويين يناصرون الوحدة الترابية للمغرب، فلم التخوف المغربي من الاستفتاء على حق تقرير المصير؟

إن الجواب يشير إلى أن المغرب ساهم وبنشاط في كل المحاولات الجادة لقيام هذا الاستفتاء، لكن الأمم المتحدة هي من اعترف بصعوبة إجرائه بسبب أن الأفراد المطلوب منهم المشاركة فيه يتواجدون في صحراء جنوب المغرب وفي شمالي موريتانيا وفي جنوب الجزائر وفي شمال شرق مالي، إضافة إلى أن نظام التعرف على الهوية الذي اعتمدته المنظمة الدولية، يعتمد بالدرجة الأساس على زعماء القبائل، إلا أنه من غير المعقول أن كل شيخ قبيلة صحراوية يستطيع التعرف وتحديد هوية كل فرد في القبيلة، مما جعل الخلاف ينشأ بين أفراد القبيلة الواحدة نفسها..

ولا شك أن ظلال المشكلة السياسية والنزاع في الصحراء قد غيب عن الرأي العام أوجاع النساء والأطفال، وتقول السيدة غجولة ايبي، والتي عاشت 16 سنة في مخيمات تيندوف كرئيسة لجمعية النساء الصحراويات، إن الأولوية يجب أن تذهب لنساء وأطفال المخيمات الذين يعانون الأمرين، فهناك نساء عشن لأكثر من 30 سنة بعيدات عن أزواجهن، وأطفالهن لا يرون آباءهم، فهي معاناة إنسانية مريرة تتطلب من اللاعبين الأساسيين في الملف ومن بيدهم مفتاح الحل أن يجدوا طريقا لتغيير موقفهم وتليينها قليلا، وفقا لمنطق العدل والإنصاف وروابط الأخوة ووشائج الدم والدين والمصير، إزاء ملف نشأ في ظل مناخات الحرب الباردة ومرحلة الصراعات البينية.

لقد تغيرت معادلات الصراع في العالم، وتم ترتيب أولويات الدول من جديد، وآن للأطراف المعنية أن تضع حدا لهذا الصراع، وأن تقلب الصفحة برفق لتفتح صفحة جديدة ينتظرها كل العرب، وقبلهم شعبا البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب، ليكون ملف الصحراء جسرا حقيقيا للتواصل والمحبة والمصالح المشتركة بين أخوين غاليين علينا، عسى أن يتحقق الحل المرتجى.. فمتى يكون ذلك؟

كاتب عراقي

Al.dulaimi@hotmail.com