إذا بحثت في جل ما تشاهده من مشاهد عالمية عن سر الأزمات الإنسانية والمشاكل السياسية والحروب الاقتصادية أو العسكرية ستجدها في «غياب العدالة» بمفهومها الشامل في كل الميادين وبصورها المتعددة الفردية أو المجتمعية أو الدولية.. ولهذا بقيت مقولة «العدل أساس الحكم» هي المقولة الذهبية الخالدة في القضاء كما في السياسة كما في الإعلام.. لا فرق!

والعدالة هي كما الأمن، مظلة شاملة ومنظومة متكاملة تحمي الدول والمجتمعات والأفراد في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تفرض الحقوق وتلزم بالواجبات على الجميع دون تمييز أو انحياز تطبيقا لمرجعيات شرعية وقانونية، وطنية وعالمية تتوافق عليها المجتمعات في شكل دساتير وقوانين، وتتفق عليها الدول في شكل اتفاقيات عادلة وليست مفروضة، من خلال محاكم دولية عادلة وليست منحازة يحتكم إليها عند الأزمات بما يحق الحق ويبطل الباطل وليس العكس.

ولا تقل الأحكام السياسية المقلوبة أو الانتقائية أو الناقصة التي تصدرها الدول الكبرى ظلما عن الأحكام القضائية الظالمة، سواء بعدم تطبيق القانون، أو بتغييب حق الدفاع، أو بفساد الاستدلال، مثلما لا تقل المحاكمات الإعلامية الدعائية غير الموضوعية وغير النزيهة بغير دعاوي حقيقية وبمدعين غير عادلين وبغير شهود عدل صادقين وبأحكام مسبقة لمحلفين منحازين لغير الحق والعدل، ظلما عن المحاكمات الهزلية والصورية مثل المحاكم الاستثنائية غير الطبيعية لمتهمين أبرياء وبتهم ملفقة لإنزال أحكام مسبقة.!

ففي عرف العدالة، أية عدالة، غربية أو عربية، لا تهمة بلا شواهد، ولا اتهام بلا تحقيق، ولا تحقيق إلا بجريمة، ولا جريمة بلا عقاب، ولا عقاب إلا بمحكمة عادلة، ولا محاكمة عادلة إلا بقانون عادل، ولا عدالة بغير قضاة عدول، ولا عدالة بلا نزاهة بأن يكون الخصم هو الحكم وهو القاضي وهو الجلاد، أو بلا مساواة باتهام الأبرياء واحترام الأشقياء،أو بمحاكمة الضعفاء ومكافأة الأقوياء، ولا أمان للعالم مع إفلات المجرمين من العقاب العادل.. وهذا ما لا يمكن أن يختلف عليه إنسان أو نظام عادل أو عاقل.

وفي عالمنا المعاصر بهيمنة الأقوياء على الضعفاء، وسيادة الأغنياء في الشمال على الفقراء في الجنوب، توضع القوانين أو تفسر، وتنفذ ولا تنفذ تحقيقا للمصالح الكبرى لا للمبادئ العظمى، لذا غالبا ما نشهد عدالة دولية مقلوبة تمشي على رأسها، فترى المشاهد مقلوبة حيث تصدر أحكاما ظالمة تمثل عدالة مقلوبة، وعدالة ناقصة عرجاء تمشي بساق واحدة فتكون عدالة جزئية وبطيئة، ونقصان الحق والبطء في تحقيق العدل نوع من الظلم، أو عدالة انتقائية عوراء تنظر بعين واحدة، فتكون عدالة منحازة مما يفقدها صفة العدل ويلبسها لباس الظلم !

والدولة الآمنة هي الدولة العاقلة، وهي الدولة العادلة مع شعبها ومع شعوب العالم، وهي الدولة المؤمنة والمنحازة لقضايا الحق والعدل والحرية، وللمبادئ قبل المصالح، فالأمن لا يتحقق إلا مع ضمان الحق وسيادة العدل وإلا مع ضمان الخبز وسيادة الحرية، ولا أمن للظالم أو المظلوم مع الاحتلال أو الإستغلال، أو مع القهر أو الفقر ولا أمان لأي مجتمع مع الفساد أو الاستبداد..فلا أمن بلا حق ولا سلام بلا عدل، ولا أمان بلا أمن أو بلا إيمان.

mamdoh77t@hotmail.com